+ A
A -
دخل عروةُ بن محمد اليمنَ والياً عليها، ثمّ لما اجتمع النّاسُ عليه لحظة وصوله قال لهم: يا أهل اليمن، هذه ناقتي فإن خرجتُ من عندكم بأكثر منها فأنا سارق!
كنتُ منسدحاً أمام قناة الجزيرة بأمان الله، إذ خرج علينا عثمان آي فرح بغتةً يخبرنا أن ديفيد كاميرون عندما غادر القصر الرئاسيّ مُنع من اصطحاب القطّ لاري معه، فالقطُّ لاري من مقتنيات القصر، وهو ملك للدولة، وليس لكاميرون أخذه وإن عزّ على أولاده فراقه! وأولُّ ما أنهى عثمان كلامه خطر لي القصّة التي بدأتُ بها!
إذا أردتَ أن تعرف مدى رُقيّ شعب فانظرْ إلى مقدار محافظتهم على الملكيّة العامة! رُقيُّ الشعوب لا يُقاس بنظافة البيوت وإنما بنظافة الطرقات، ولا يُقاس بالمحافظة على أزهار الشّرفة وإنما بمدى المحافظة على أزهار الحديقة العامة، وليس من الحضارة في شيء إذا تصرّفنا في المراحيض العامة بطريقة غير التي نتصرّفُ بها في مراحيض بيوتنا!
إنّ مفهوم الملكيّة العامة يكاد يكون معدوماً عندنا للأسف، فإذا ما تقلّدنا مسؤولية إدارة مكان عام سرعان ما نسعى لتحويله إلى ملكيّة خاصة من رئيس الشركة إلى شرطيّ السّير، جميعنا نعاني عقدة خصخصة الأشياء! مدير الشركة العامة يُشعر موظفيه أنهم عبيد أبيه، وموظفوه يُشعرون مراجعيهم أنهم يخدمونهم صدقة لآخرتهم لا نظير مرتّبات يتقاضونها! الممرض في المستشفى يُشعرك أنّه رئيس منظمة الصحة العالمية، وشرطيّ السير يشعرك أنه مدير تنظيم سير كواكب المجموعة الشّمسية، موظفة شركة الاتصالات ترد عليك وأنفها يكاد يلتصق بسقف الغرفة فتشعرُ أنّك دخلتَ وكالة ناسا تطلب منهم أن يأخذوك إلى القمر على حسابهم لا أنك أتيتَ وكلّ همك أن تحصل على خدمة تدفع لقاءها أجراً، الكنّاس في الشارع يُشعرك أنّه مدير الطريق، والمعلم في المدرسة يُشعرك أنّه أحمد بن حنبل وقد فتح حلقته وتفرّغ لتعليم ابنك لوجه الله!
لا أحد يُشعرك أنه يقوم بوظيفته العامة لأنها وظيفته التي يعتاش منها، دوماً عليكَ أن تشعر أنّ كلّ ما هو عام تتلقاه صدقة! ألا يكفي أننا نشعر أننا ممتلكات خاصة عند حكامنا حتى نشعر أننا ممتلكات خاصة في أماكن من المفترض أنّها عامة؟!
لا يمكن أن تسود أُمّة لا تُميّز بين ما هو عام وما هو خاص، ولا يمكن أن يتصدّر شعب لا يحترم الملكية العامة احترامه ممتلكاته الخاصة. أعرفُ أننا هنا لأنّ أُمماً كثيرة اشتغلتْ بنا وأرادتنا أن نكون هنا، ولكن القلاع الحصينة لا تسقط إلا من الدّاخل، وبعض الذي هنا صنعناه بأيدينا، وكما تقول جدّتي في مثل هذا المقام: دود الخل منه وفيه!.

بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
16/07/2016
3938