+ A
A -
داليا الحديدي
كاتبة مصرية
أثمن ما منح الإنسان هو نعمة التمتع بالنعم واستشعارها قُبيل غيابها وإعادة التلذذ بماضي الذكريات وبمضارع الممنوحات وبقديم العطايا وعتيق الموجودات والاستبشار برياح القابل من المِنَح.
ينتصر في الحياة من لا يزهد في القيم الجمالية التي تحيط به.
من لديه شراهة العسعسة عن المُبهج فلا تعشى عيناه عن التقاط البديع، فذاك يعينه على الصبر على صلف الحياة وأصلافها.
- من يلتفت لتسابيح السنونو في سويعات البكور ومن تستوقفه قطرات الندى على الزهور.
- من يستريح لمطالعة بيت من الأشعار
- من يطمئن لرؤية قوارير مؤن بيته ولو ربع ممتلئة.
- من يستشعر السكينة في كل زر يكبسه لأي ماكينة في داره، فيجدها تعمل.
- كلنا لدينا قسط من الرزايا، وبند من البلايا والكبوات التي لا نجرؤ على ذكرها.
كلنا نُثرثر عن صغار المصائب ونتباكم عن الأحزان، لكن الغلبة لمن يتعاطى مع البلايا كتمرينات قفز حواجز.
-كلما خذلكم الشتاء بوابل الدمع لإفساد محصولكم، اصبروا حتى حصاد موسم ربيع البسمات، والغلبة لمن يعجز سارق الفرح عن نشل محافظ مباهجه، إلا كمن اقتنص الفكة وترك المجوهرات، المصاغ، والعقارات.
-الحكيم يدفع من وقته للأنكاد حال مطالبة الحياة بمستحقاتها من الضرائب الحياتية، لكنه يعلم أن الله لن يجعل تلك الغرامات تفلسه.
- الحكيم ليس بحاجة لمفاجأة ضخمة ليندفع منسوب سعادته لشاهق، بل يعاود شحن طاقاته كناقة لا تحتاج سوى لجرة مياه وبعض العُشب لتستكمل رحلة الحياة الشاقة.
- يفهم الحياة من يدخل داره كل يوم وكأنه يراه لأول مرة، فينظر للوحات والمرايا على الجدران كأنه يطالع هدايا جديدة ولسان روحه يشكر رب كل نعمة بداره.
يفهم قدر هدايا الله من يفهم قيمة أن يرُدّ له أطفاله كل يوم سالمين من مدارسهم، فأي نعمة كنعمة عودة دعائم البيت لأركانها سالمة، فيسكن الله له نفسه ويزيده طمأنينة.
-من يجلس على الأرائك، فتخالجه مشاعر مخملية كالتي زارته يوم أشاح بنفسه الأوراق البلاستيكية غرة يوم وضِعَت بداره.
- من يفتح كتبه كأنما فُتحت عليه الدنيا بجنباتها.
- من تدعس قدماه على البُسط، فيغوص في رفاهٍة ويتصاعد لذهنه طيف صعوبات البدايات.
- من يشم الليمون بالعسل فتسعفه ذاكرته أنه قد حيزت له في طفولته قدر من العناية بصحته.
- من يستبشر بعشاء عائلي أو بشتى روائح الطبخ في التنور.
- من يثمن جلسة عائلية بجانب المدفأة في ليالي الكوانين الباردة أويسعد بصوت تهاوش صغاره في الدار على ريموت المكيف في صباحات تموز الخانقة أو نزهة ربيعية غير مكلفة مع الأحبة بين أغصان الزهور.
- من يغتبط حين تقع عينيه على حرف أنيق أوفكر عميق.
- من يشعر باحتفاء القدر به لو وجد منفذًا لصف مركبته فيما سواه لا يزال يلف ويدور.
- من تترف حواسه بسُلافة عطر وكأنما قد حيزت له حوانيت العطور.
- من تطربه إيماءة من جاره أن حفظكم الله من الشرور.
- من ينام راضيا آن وصوله لبيته سالمًا ثم اكتشف أن الوقود قد نفذ مباشرة عقب الوصول.
- من التفت لكون إسطوانة الغاز لم تفرغ حال تحضيره وليمة لغرباء الحضور.
- من ينظر لآنيته الفضية، لكأس زجاجي براق، محارم زهرية، إرث من فخاريات عتيقة أو نحاسيات القدور، فلا يراها من حطام الدنيا ويدرك أن الأقدار قد صبّت عليه سطلًا من عصير السرور.
-الحكيم يسعفه الله بالاحساس بالنعم صغيرها، متوسطها وكبيرها، فيشرد في الثُريّات ويطالع الفُرُش والدُثُر، المتناثرة حوله، حتى القديم منها سيدغدغ بصره، فيستفيق ذهنه بنشوة أن هناك رونقا يُحيط به، أما الجاهل فيمر على كل النعم المادية والمعنوية مرور الأنعام.
- من يستشعر منحنى الضياء حال سطوعه، لا التحسر عليه بُعيد انقطاع النور
- من يتنعم بعذب الماء حال تدفقه لا ساعة وقوفه عن السريان في الجدول.
وهذا ما يجعله يتخطى أقداره من البلاء.
copy short url   نسخ
05/02/2022
1772