جاء الاتفاق بين الإدارة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في وقت تحتاج فيه سوريا إلى الخروج من آثار الأحداث الدامية التي شهدتها مناطق في الساحل السوري، وذهب ضحيتها مئات السوريين، من عسكريين ومدنيين، وفجرتها هجمات قامت بها عصابات من بقايا نظام الأسد البائد، استهدفت فيها قوى الأمن العام، وكانت تهدف إلى إشعال الفتنة، وضرب الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب السوري، وتمزيق الجسد السوري عبر السعي إلى فصل منطقة الساحل عنه.
وبالتالي تأتي أهمية الاتفاق من كونه يشكّل ضربة لكل المشاريع الانفصالية في سوريا، إضافة إلى أن يشكل مدخلًا لإنهاء حالة القطيعة بين مناطق الجزيرة السورية، وباقي المناطق السورية، التي تمتد إلى أكثر من عشر سنوات خلت. ولعل الأهم هو أن الاتفاق عكس تلهف الشارع بمختلف أطيافه ومكوناته إلى توحيد الأرض السورية، وذلك بعد الخلاص من نظام الأسد الاستبدادي.
تكمن أهمية الاتفاق في مزاياه وأبعاده المختلفة، خاصة على الصعيد الداخلي، والتي يمكن تحديدها فيما يلي:
أولًا، يعدّ الاتفاق خطوة تاريخية بالنسبة للكرد السوريين من الناحيتين السياسية والاجتماعية، وبالنسبة لجميع السوريين، كونه يفتح المجال أمام السوريين لبناء سوريا موحدة.
ثانيًا، يعتبر الاتفاق نقطة تحول بارزة في مسار بناء الدولة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد البائد، بالنظر إلى أنه يفتح المجال أمام مرحلة جديدة تستعيد فيها الدولة سيطرتها على الموارد الطبيعية في مناطق شرقي الفرات، وإعادة إدماجها ضمن الاقتصاد الوطني.
ثالثًا، يسهم الاتفاق في استعادة الثقة فيما بين جميع السوريين، حيث قدمت الإدارة الجديدة العديد من فرص بناء الثقة لكل الأطراف، بواسطة التعاون معها، وإظهار سعيها لإدارة المرحلة الانتقالية بإشراك جميع المكونات، فابتعدت بذلك عن استخدام القوة الخشنة مع «قسد»، وبالافتراق مع سلوك وممارسات السلطة الاستبدادية لنظام الأسد البائد التي تسعى إلى الهيمنة.
رابعًا، يرتكز الاتفاق إلى مبدأ ضمانة حقوق كل السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية، وجميع مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية، حسبما نص عليه الاتفاق، ما يعني إشراك الجميع في القرار السوري، إضافة إلى تأكيده على أن المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية الجديدة حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية.
قد يكون من المبكر الحكم على مصير الاتفاق، خاصة أن آليات تنفيذه لم تتضح تفاصيلها بعد، ومع ذلك يمكن القول إنه يتملك فرصًا عديدة للنجاح، وتتجسد ممكنات نجاحه في:
- الدعم الشعبي الواسع، الذي عبر عنه بنزول السوريين إلى شوارع وساحات مختلف المدن السورية، تعبيرًا عن فرحتهم بالتوصل إلى الاتفاق، الذي يلبي طموحات جميع السوريين، ويحظى بتأييدهم جميعًا.
- النضج السياسي الذي توفر لدى الإدارة الجديدة وقيادة قوات سوريا الديمقراطية، حيث تمكنت الإدارة السورية الجديدة من امتصاص الدعوات الانفصالية التي كانت تصدر من بعض قادة قسد.
- الدور الإيجابي الذي لعبته قوى إقليمية ودولية، خاصة الدور الأميركي والتركي، حيث إن الاتفاق ما كان له أن يرى النور لولا دفع الولايات المتحدة قسد نحو التفاهم مع الإدارة الجديدة، وبما يتسق مع مخرجات الحوار الأميركي- التركي حول مستقبل منطقة شرقي الفرات.
الدعم العربي والدولي للإدارة الجديدة، الذي شكّل أحد عوامل الضغط على قسد وقيادتها كي تقبل بالانضواء والاندماج مع الدولة السورية.
بالرغم من توفر فرص نجاح الاتفاق، فإن هناك عوامل يمكن أن تعيق تطبيقه، وربما تؤدي إلى فشله، والتي يمكن تحديدها بالنقاط التالية:
كيفية اندماج قسد في الجيش السوري الجديد: هل سيتم دمجها ككتلة موحدة، أم يعاد تشكيلها من جديد تحت مظلة وزارة الدفاع، لأن هناك أصواتًا تطالب بضرورة الحفاظ على هيكليتها التنظيمية، وبقائها على ما هي عليه.
مواقف المكونات الأخرى في مناطق سيطرة قسد، ويشمل ذلك العرب والسريان والآشوريين، الذين يطالبون بوجود تمثيل لهم، وهو أمر يمكن التفاهم حوله.
شكل الحكم في سوريا، حيث إن قسد لم تتخلَّ عن دعوتها لإقامة حكم ذاتي في مناطق شرقي الفرات، واعتماد نظام لا مركزي. والسؤال هو: هل ستقبل بنظام لا مركزي على المستوى الإداري أم ستصرّ على لا مركزية على المستوى السياسي؟
سجون مقاتلي تنظيم الدولة والمخيمات التي تصر قسد على الاستمرار في إدارتها، فيما تقتضي موجبات سيادة الدولة السورية أن تكون تحت سلطتها وإدارتها. إضافة إلى علاقة قسد مع قوات التحالف الدولي لمجابهة تنظيم الدولة، ومصير القواعد الأميركية في سوريا، التي ربما سيحسم مصيرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي سبق أن أعلن عن رغبته بسحب القوات الأميركية من سوريا.
يأمل غالبية السوريين نجاح الاتفاق، وأن تنعكس تداعياته الإيجابية على إبرام توافقات أخرى مع القوى الفاعلة في الجنوب السوري. وهو ما بدأت بوادره في الظهور مع السويداء، وذلك كي يتكلل نجاح الإدارة الجديدة في تجاوز عقبات أساسية، بعدما تجاوزت محاولة عصابات بقايا نظام الأسد، وأحبطت مخططهم في السيطرة على الساحل.
ومن المهم أن يُستتبع كل ذلك بترجمة مقابلة على المسار السياسي، وخاصة الإعلان الدستوري وتشكيل حكومة انتقالية جامعة، واستكمال حل الفصائل وانضوائها في مؤسسة الجيش الوطني الجديد.الجزيرة نت