يعدّ إجراء الولايات المتحدة مفاوضات مباشرة مع حركة حماس تطورا ذا دلالات وتداعيات هامة على مسار التفاوض بشأن وضع نهاية للحرب في قطاع غزة، إذ يفتح مسارا تكون قدرة التأثير الإسرائيلي فيه أقل مما كان عليه الوضع سابقا. وهو ما يفسّر التحفظ الإسرائيلي الظاهر تجاهه.
في حين ظهر استقبال دولة الاحتلال هذا التطور بتحفظ وتخوف، إذ أكد مكتب نتانياهو، في بيان، علمه بإجراء واشنطن محادثات مباشرة مع حماس، وقال إن إسرائيل أعربت للأميركيين عن رأيها بشأن تلك المباحثات.
وهي صيغة تشير إلى عدم رضا مكتوم تجاه هذا الأمر. وفي ذات السياق، نقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» عن مصدر مطلع قوله إن «إسرائيل قلقة للغاية من المحادثات المباشرة لإدارة ترامب مع حماس».
حرصت الإدارة الأميركية تقليديا على تفادي الخوض في محادثات مباشرة مع حركة حماس؛ لأنها تصنفها حركة إرهابية منذ العام 1997، ويردد الساسة الأميركيون شعار: «نحن لا نتفاوض مع الإرهابيين»، منذ سبعينيات القرن الماضي، وذلك بذريعة عدم تعزيز شرعية هذه المنظمات، وإن كانوا قد خرقوا هذه القاعدة مرارا.
وفي حالة الحرب الحالية، يوفر التفاوض المباشر فرصة زيادة فاعلية التفاوض، خصوصا في ضوء تمييز إدارة ترامب مصالح الولايات المتحدة عن مصالح إسرائيل.. ويظهر في سياق الحدث دور مجموعة من المعطيات؛ منها:
1 - توجّه إدارة ترامب بإعطاء الأولوية للمصالح الأميركية المباشرة، سواء على صعيد الأسرى، أو على صعيد النظرة إلى الحرب في غزة وتداعياتها الأوسع.
2 - مخاوف الإدارة الأميركية من مساعي نتانياهو لتوريطها في حروب لا تراعي المصلحة الأميركية. إذ وضع التصعيد الإسرائيلي المنطقة في العام الماضي على شفير حرب إقليمية، بعد قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وما تلاه من تبادل للضربات الجوية بين البلدين.
في حين تتفادى الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة الانخراط في مواجهات عسكرية واسعة في المنطقة، لما في ذلك من استنزاف لمواردها وإشغال لها عن مواجهة التهديد الأهم لها، وهو الصعود الاقتصادي والعسكري الصيني، الذي يدفع باتجاه تراجع مكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي.
ويؤكد موقف ترامب بشأن الحرب في أوكرانيا هذه النزعة الانعزالية والحذرة في الإنفاق على الحروب البعيدة عن الولايات المتحدة.
3 - فشل إسرائيل في تحقيق أهداف الحرب المعلنة، وصمود المقاومة الفلسطينية رغم مختلف التكتيكات التي استخدمها الاحتلال، ورغم الغطاء السياسي الأميركي غير المسبوق، والذي يسبب استنزافا سياسيا وماليا، ما يدفع الإدارة الأميركية إلى البحث عن طرق جديدة لتحقيق مصالحها، وتفادي إضاعة المزيد من الوقت بانتظار حلّ تعجز إسرائيل عن تحقيقه بنفسها.
4 - وفي سياق تاريخي أوسع، ينسجم هذا السلوك مع تاريخ أميركي وإرث أوروبي في احتواء الصراع في فلسطين من خلال التفاوض مع طرفيه. منذ الانتداب البريطاني على فلسطين وحتى الوقت الحاضر.
المعنى السياسي الأهم للتفاوض المباشر، هو فك ارتباط المسارين الأميركي والإسرائيلي بشأن الأسرى؛ إذ أصبح هناك مساران يمثلان طرفين ذوَي مصالح متباينة.
وفي ظل هذا التباين فإن الأولوية المعلنة هي للمصالح الأميركية وليس المصالح الإسرائيلية، وإن كان هناك العديد من المصالح المشتركة بين الطرفين.
أما التداعيات الأبرز لهذا التطور فيمكن إجمالها بما يلي:
-إضعاف الموقف التفاوضي الإسرائيلي، إذ أن تفاوض الإدارة الأميركية مع طرفي الصراع، يقلل من وزن إسرائيل في تحديد المسار السياسي والعسكري للحرب.
-وفي هذا السياق، لا تغير تصريحات ترامب المتشددة تجاه حماس من حقيقة تراجع الموقف الأميركي، بل هي تعبير عن تفاعل مع الموقف التفاوضي الجديد، والسعي إلى نيل مكاسب من خلال المبالغة في التهديدات.
وهو أمر حصل سابقا، ثم تم التراجع عنه، وذلك في إعطائه مهلة قصيرة لحماس للإفراج عن جميع الأسرى، في 10 فبراير/ شباط الماضي، ثم إحالة رد الفعل إلى الطرف الإسرائيلي.
ومن ناحية أخرى، قد يكون هدف هذه التصريحات هو نفي ترامب عن إدارته تهمة الضعف، في الوقت الذي تضطر فيه إلى التفاوض مع منظمة تعدها إرهابية، وهو سلوك يعزز المكانة السياسية للحركة.
- زيادة فرصة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة طويلة نسبيا، بفعل تكريس عدم ارتهان هذا الأمر بتوجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف.
- تعزيز الشرعية السياسية لحركة حماس، كطرف يقود النضال الفلسطيني، وتتفاوض معه الإدارة الأميركية، وإن كان التفاوض متركزا على قضايا ميدانية، إلا أنه يفتح الباب لتُقدم الحركة كممثل للشعب الفلسطيني، يعبر عن تمسك هذا الشعب بحقوقه وحريته، وصموده في وجه محاولات إخضاعه وتصفية قضيته.
- زيادة خطر الصدام المباشر مع الإدارة الأميركية، مع ما يتصف به سلوك ترامب من بُعد شخصي مرتفع، ومبالغة في ردود الفعل.
وفي العموم يبقى أثر هذا المتغير محدودا على المدى الطويل، بفعل وجود موقف أميركي- إسرائيلي مشترك تجاه تصفية القضية الفلسطينية عموما، وتقويض حركة حماس خصوصا. وإن كان يفتح ثغرة في جدار التنسيق الأميركي- الإسرائيلي، الذي كان خلف استمرار الحرب لخمسة عشر شهرا.الجزيرة نت