+ A
A -
مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل مدير المركز الكندي للاستشارات الفكرية
تسعى «طالبان» إلى تعجيل الاعتراف الدولي بها، وهو ما يجعل خطابها موجه لهذه المنصة، وقد صرح توماس ويست المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان الأسبوع الماضي بأن (طالبان طلبت البدأ في سياسة التطبيع معها، ولكن ذلك ليس مرتبطاً بموقف واشنطن وحدها) حسب تصريح مبعوث واشنطن.. تهدف «طالبان» من وراء انتزاع اعتراف دولي بها، وهو لن يتم دون مصادقة غربية، بسبب هيمنة المركز الغربي على العالم وعلى حاضر العالم الإسلامي على الخصوص، لبدأ إعادة إنشاء الدولة الجديدة، تحت سياق رسمي عالمي، يسمح لها بتعزيز الجسور وبالاعتراف الضمني بتشريعاتها الداخلية، والأهم من ذلك تحييد التدخل الدولي الإقليمي في ظل صراعها المستمر مع المعارضة، وبالتالي تنجح في استنساخ النموذج الإيراني لاعتراف الغرب الضمني، بولي الفقيه الإيراني كما ذكرنا في المقال السابق.
ونرصد هنا بعض التحديات التي تواجه طالبان في الحصول على هذا الاعتراف، لكن قبل ذلك نشير إلى أن محاولات بعضم أقاليم المسلمين، في الحصول على اعتراف دولي كما جرى في إقليم القبارصة الاتراك لم ينجح، بسبب الفيتو الغربي.
وظل اعتراف الدولة القبرصية التركية محدوداً في الجمهورية التركية الحديثة التي جاء تدخلها في ذلك الوقت منقذاً للمسلمين من مذابح إبادة تعرضت لها البوسنة والهرسك، وكان في إطار مغامرة معقدة اتخذ قرارها الجريء، نائب رئيس الحكومة التركية في حينه نجم الدين أربكان.
ولكن ورغم قوة تركيا وحضورها وتأثيرها في الاتحاد الأوروبي وهي الخصم الصديق الاستراتيجي في آن واحد، لم يتحول هذا الاعتراف إلى كيان سياسي دولي، وظل الحوار والتفاهم حول دمجه مع الدولة القبرصية، لكن في إطار حقوقي وسياسي واضح لمناطق المسلمين، وحتى اليوم لم تصل المفاوضات لنتيجة، غير أن مبادرة الحماية التركية السابقة شكلت ورقة ضغط لصالح القبارصة المسلمون.
وبالتالي فحتى لو اعترفت إسلام آباد بحكومة طالبان، فهي لن تستطيع أن تُرصّف الطريق نحو الاعتراف الدولي بها، فضلاً عن الحسابات الخطرة على باكستان في التقاطع الصراعي بينها وبين الهند والذي يشمل أفغانستان، ولذلك لم تُقدم على هذه الخطوة حتى اليوم.
1 - ونلاحظ هنا أن الفرق بين نظام إيران وبين حكومة طالبان أن طهران خلقت كياناً سياسياً تحت سلطة ولي الفقيه، أبقى على الدولة الإيرانية التاريخية، وجعل لها رئيس وبرلمان وحكومة، يتعامل معها العالم، أما في حالة «طالبان» لا تزال فكرة أمير المؤمنين هي المقدمة للساحة الدولية. وسبق أن حررنا الموقف الإسلامي من خطأ استعادة المصطلح على قُطر من أقطار المسلمين، وسحب مرجعيته حتى على شعبه باسم هذا المفهوم، والذي يثير حساسية كبرى داخل الأقليات بل داخل البشتون أنفسهم، بحكم القداسة المزعومة التي تظلل بها هذه المصطلحات.
2 - أما العائق الثاني فهو كون «طالبان» لديها صراع داخلي حقيقي على مستوى القوميات، ولا يوجد لها نفس تسامح مع الفدراليات التي كانت حاضرة في تاريخ المسلمين ودولهم، بحيث تُعطي مساحة لكل إقليم وناحية في تنظيم دستوري وطني جامع، وتُبقى الإستراتيجية الدفاعية والأمنية في إطار مركزي تعاضدي.
وهو ما يعني أن الأزمة هنا لن يصححها الاعتراف الدولي، ولكن الحل في إطار المصالحة الوطنية الشاملة، التي تعترف بأن الإسلام مرجع للجميع، وليس الإسلام مذهب خاص بطالبان، فهناك من له رؤية مختلفة داخل البشتون أنفسهم فضلا عن غيرهم، ضمن حشد علمائي وفكري هو أيضاً يتخذ الشريعة الإسلامية مرجعاً.
إن تغطية الصراعات العرقية بمرجعية دينية ملزمة، وهي ليست ميثاقاً إسلامياً جامعاً، لن يخلق أرضية للحل، بل قد يُضاعف الأزمة، وهو في ذات الوقت يُقدّم في العالم ومع حشود المهاجرين التي لا تتوقف، كمثال لقمعية (الإسلام) الذي تعتنقه طالبان، وأنهُ لا حل مدني لحياة الناس وحرياتهم التي كفلتها الشريعة في ظل طالبان.
سيبقى أمر مهم وهو مراهنة «طالبان» على الصراع الصيني الأميركي والغربي بالمجمل، وبالتالي سعي واشنطن لتأمين هذا الاعتراف، حتى تُضم أفغانستان أو تصمد بعيداً عن مدار بكين الزاحف، وفي الحقيقة ورغم أن هذا الأمر مؤثر وضاغط، غير أن مستقبل أفغانستان كلها، لن يضير الغرب والشرق فيه، أن تُدفع لحرب أو حروب متعددة مهلكة، تُنهي هذه الدولة في قعر بئر لا خلاص له، ولذلك معادلة الإنقاذ ستبقى داخلية، كما قطع بها القرآن الكريم.
copy short url   نسخ
21/11/2021
1545