حمد حسن التميمي
بينما لا يكترث غالبية الناس إلى معرفة كل شيء حول من تربطهم بهم علاقات الصداقة أو العمل وما شاكلها، يسعى المحتالون بكل الطرائق والسبل إلى الإحاطة بكل معلومة صغيرة أو كبيرة حول الآخرين؛ لأن ذلك يمهد لهم الطريق لتحقيق غاياتهم الدنيئة.
ما يدفع معظمنا إلى تجنب التعمق في علاقاتهم مع الآخرين هو خوفهم من الآثار السلبية المترتبة على ذلك، فالسطح ملجأ آمن أكثر من القاع حيث تكمن احتمالية الغرق، لذلك نفضل البقاء بمنأى عن الغوص بمشاعرنا في صلتنا بالآخر، حتى لا نتعرض للأذى النفسي ونندم على رفع الحواجز والتكلفة وتسليم مفاتيح قلوبنا لمن لا يستحقون إيماننا وثقتنا بهم.
في واحدة من التجارب السريرية طلب الطبيب النفسي «جيفري سمبسون» من مجموعة من الأزواج أن يشاهدوا مقاطع فيلمية عن بعضهم البعض، يتم خلالها مناقشة موضوعات ومسائل يختلفون فيها في الرأي ووجهات النظر، مع تدوين مشاعرهم ومشاعر شركائهم خلال ذلك.
وبعد انتهاء التجارب وتحليل البينات، تم التوصل إلى حقيقية مفادها أن الأزواج الأقل قدرة على فهم مشاعر بعضهم البعض هم الأكثر سعادة ممن نجحوا في فهم مشاعرهم ومشاعر شريكات حياتهم.
من هذه التجربة يمكن أن نستنتج أمراً مهمّاً؛ ألا وهو أننا بالحفاظ على مسافة عاطفية آمنة مع الغير نضمن عدم التعرض للألم النفسي وخيبات الأمل، في حين أن الانخراط المفرط في عواطفنا تجاههم يمكن أن يعرّضنا لتجارب ومواقف غير مرضية تسبب لنا التعاسة والكآبة والكثير من الإحباطات المستمرة.
وعلى صعيد آخر، فإن الفهم المتعمق لشخص ما، يمكن أن تتيح لنا إمكانية التعرف على نقاط ضعفه ونقائصه أو عيوبه؛ وهو ما يمارسه المحتال عن سبق إصرار وترصد. في سنة 2008م ذهبت شابة اسمها «ديبرا» إلى عرافة بعد فقدانها لصديقها ووظيفتها. وقبل أن تنطق «ديبرا» بكلمة واحدة استطاعت العرافة أن تعرف بأنها إنسانة ضعيفة هشة من خلال لغة جسدها، مما أتاح لها القدرة على استغلال عواطفها والحصول على شيك بمبلغ 27 ألف دولار أميركي.
ولا يكفي أن يعرف المحتال ضحيته حق المعرفة ليخدعها، بل يتوجب عليه أن ينال ثقته، وذلك من خلال التمتع بكاريزما جذابة توحي بالثقة والإنسانية في التعاطي مع الآخرين. فضلاً عن ذلك، فإن المحتال يوهم الشخص المقابل بأن لديه سمات مشتركة معه؛ فالناس يميلون عادة إلى الثقة فيمن يشبهونهم من حيث الشخصية والعادات وطريقة التفكير.
يسعى المحتال عادة إلى محاكاة لغة الجسد وتعبيرات الوجه وحتى حدة الصوت، ليخلق وهماً لدى الضحية بالتشابه فيما بينهما؛ ليسهل عليه الخداع. وبمجرد أن يكسب ثقة الآخر يأتي دور إعداد المصيدة أو الفخ لجذب الآخرين ودفعهم لفعل ما يريده.
إن ما يجعل الناس يقعون فريسة للخداع هو تفاؤلهم بالمستقبل، واستعداد الكثيرين لدفع المال ظنّاً منهم أنهم يشترون النجاح، فيستغل المحتال الفرصة ليضحك على عقولهم بالوعود الزائفة والأوهام الوردية.
ولأننا جميعاً نريد حياة أفضل من الناحية المادية على وجه الخصوص، نميل إلى تصديق الخزعبلات وتوقعات الأبراج والمشعوذين وقارئي الفنجان والدجالين بمختلف أنواعهم. ومن هذا الباب يلج المحتالون إلى حياتنا ليستغلوا رغباتنا وظمأنا لتحقيق الذات.
يضاف إلى ذلك أن علماء النفس اكتشفوا بأن المخادعين يعلمون بأن معتقدات الإنسان تغلب الواقع، بمعنى أننا مستعدون إلى تجاهل الحقائق في مقابل عدم الاستغناء عما نعتقده، وهو ما يجعل إقرارنا بأن شخصاً ما يستحق ثقتنا مطلقاً لا تغيير فيه، بحيث نرفض أي دليل خلاف ذلك لاحقاً. وبالتالي فمتى استطاع المحتال كسب ثقة الشخص الآخر، تمكن من إحكام قبضته عليه وجعله يفعل ما يريده بأساليبه الملتوية التي تبدو ظاهريّاً تعبيراً عن المحبة والمودة. فاحذر ممن يدعي محبتك، ولا تسلم مفاتيح عقلك وقلبك لأيّ كان.

www.hamadaltamimiii.com