في عام 2009، أطلقت غوغل مشروعها للسيارات ذاتية القيادة، المعروف حاليًا باسم وايمو (Waymo)، مما شجع العديد من الشركات الكبرى للاستثمار في هذه التقنية، لكن ذلك لم يؤدِ إلى تسريع تطورها كثيرا بسبب التعقيدات التي واجهتها، والتي يتطلب تجاوزها استخدام مجموعة من التقنيات المتقدمة تُمكًن المركبات من التنقل بأمان وفعالية دون تدخل بشري، منها:
كاميرات لرصد البيئة المحيطة، ورادارات لتحديد المسافات وسرعات الأجسام القريبة، ونظام ليدار (LiDAR) الذي يستخدم الليزر لإنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد عالية الدقة للبيئة المحيطة، ونظام التواصل بين المركبات (V2V) والتواصل مع البنية التحتية (V2I)، ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS). تتطلب كل المعلومات المتجمعة من الأجهزة والنظم السابقة ذكاءً اصطناعيا لتحليلها بسرعة واتخاذ قرارات فورية، مثل التوقف المفاجئ أو تغيير المسار.
مستويات أتمتة قيادة السيارات
حددت جمعية مهندسي السيارات الأميركية Society of Automotive Engineers) (SAE)) ستة مستويات من أتمتة القيادة، تتراوح من المستوى 0 (بدون أتمتة) إلى المستوى 5 (أتمتة كاملة).
كانت شركتا مرسيدس بنز وتويوتا وبي إم دبليو من أوائل الشركات التي قدمت ميزات القيادة الذاتية من المستوى 1، في تسعينيات القرن الماضي.
يوفّر المستوى 1 من نظام القيادة الذاتية، نظاما آليا واحدا يساعد السائق إما في التوجيه (الحفاظ على موضع السيارة داخل المسار آليا) أو التسارع / التباطؤ للحفاظ على مسافة آمنة من السيارة التي أمامها، ولكن ليس كليهما في الوقت نفسه. وهذا يعني أن الميزة الآلية يمكنها التعامل مع جانب واحد من التحكم في القيادة لدعم السائق، بينما يظل السائق مسؤولا عن جميع مهام القيادة الأخرى.
شركة تسلا كانت من بين أوائل الشركات التي قدمت ميزات القيادة الذاتية من المستوى 2، مع طرح نظام القيادة الذاتية الخاص بها في أكتوبر/ تشرين الأول 2015.
يوفر المستوى 2 نظامين لمساعدة متقدمة للسائق، هما: الحفاظ على موضع السيارة داخل المسار في جميع الأوقات، وتثبيت السرعة مع ضبطها تلقائيا للحفاظ على مسافة آمنة من السيارة التي أمامها، وإعادتها إلى السرعة المثبتة عند توفر الظرف الملائم، ولكنه يتطلب من السائق أن يظل منخرطا وجاهزا للسيطرة في أي وقت.
في مايو/ أيار 2022، حصلت مرسيدس بنز على شهادة دولية للقيادة الذاتية من المستوى 3 في ألمانيا، مما جعلها من أوائل شركات تصنيع السيارات عالميا التي تدعم المستوى 3.
يتيح المستوى 3 للسيارة، القيادة الآلية المشروطة بظروف محددة كالقيادة في أقسام الطرق السريعة المناسبة. في هذا المستوى تكون القيادة آلية بشكل كامل مع وجود السائق وراء المقود للتدخل فقط عند الضرورة.
حصلت بعض الشركات حاليا على تراخيص لتشغيل مركبات ذاتية القيادة من المستوى الرابع في نطاقات محددة، منها:
وايمو (Waymo) «تابعة لمجموعة ألفابت الشركة الأم لـغوغل»: يجري حاليا تشغيل خدمة «وايمو وان» للنقل الذاتي في مناطق محددة من فينيكس في ولاية أريزونا، باستخدام مركبات ذاتية القيادة من المستوى الرابع، دون وجود سائق احتياطي.
بوني.إيه آي (Pony.ai) «شركة صينية ناشئة في مجال تقنيات القيادة الذاتية»: حصلت على تصاريح لتقديم خدمات التنقل دون سائق في مدن صينية كبرى مثل بكين وشنغهاي، باستخدام مركبات ذاتية القيادة من المستوى الرابع. في عام 2023، أعلن صندوق نيوم السعودي للاستثمار، عن استثمار 100 مليون دولار في «بوني.إيه آي»، مما جعل «نيوم» أحد المستثمرين الرئيسيين في الشركة.
مرسيدس بنز: حصلت في شهر أغسطس/ آب 2024، على موافقة الصين لاختبار القيادة الذاتية من المستوى الرابع على الطرق السريعة وعلى مجموعة طرق حضرية محددة في بكين.
وي رايد (WeRide) «شركة صينية متخصصة في تطوير تقنيات القيادة الذاتية»: منحتها الإمارات العربية المتحدة أول رخصة وطنية لاختبار وتشغيل مركبات ذاتية القيادة من المستوى الرابع على جميع الطرق في الدولة. ففي سبتمبر/ أيلول 2024، أعلنت «وي رايد» عن شراكة مع «أوبر» لإدخال مركباتها ذاتية القيادة إلى منصة «أوبر» في الإمارات، بدءا من أبوظبي. ستتضمن المركبة في البداية سائقا احتياطيا لضمان السلامة، مع خطط لتقديم مركبات دون سائق في عام 2025.
تجدر الإشارة إلى أن خدمات المستوى الرابع لاتزال حتى الآن محدودة بنطاقات جغرافية معينة وتحت إشراف تنظيمي صارم. لذلك، بينما توجد تراخيص لتشغيل مركبات ذاتية القيادة من المستوى الرابع، فإن الانتشار التجاري الواسع لهذه التقنيات لا يزال في مراحله الأولى.
يُمَكًن المستوى 4 المركبة من أداء جميع مهام القيادة ومراقبة البيئة في ظروف محددة دون تدخل بشري. وإذا واجه النظام موقفا لا يمكنه التعامل معه، فيمكنه إيقاف السيارة بأمان. المستوى 4 مناسب للاستخدام لعمليات محددة كخدمات سيارات الأجرة المحلية بدون سائق في المدن، وهو قد يتطلب أو لا يتطلب وجود دواسات وعجلة قيادة، لكن، في المرحلة الراهنة، لا يزال المصنعون يحافظون على وجود دواسات وعجلة قيادة احتياطيا في حال بروز ضرورة لوجود سائق.
أما المستوى الخامس الذي يوفر أتمتة كاملة تتيح للمركبات أداء جميع مهام القيادة في جميع الظروف دون أي تدخل بشري، فلا يزال قيد البحث والتطوير، وقد أعلنت بعض الشركات عن خطط لإطلاق سيارات ذاتية القيادة بالكامل (دون وجود دواسات وعجلة قيادة) بحلول عام 2030. ومع ذلك، فإن هذه التوقعات تعتمد على التقدم التكنولوجي، والبنية التحتية، والإطار القانوني والتنظيمي.