بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:الكذب مصدر قولهم: كذب يكذب، وهو مأخوذ من مادّة (ك ذ ب) الّتي تدلّ على خلاف الصّدق، وقال الرّاغب: الكذب يقال في المقال والفعال، قال تعالى: (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (فهذا في القول)، وقال عزّ وجلّ: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) وكذبهم في اعتقادهم لا في مقالهم، ومقالهم كان صدقا، أي قولهم (إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ)، وقول الله تعالى: ( وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) كذّاب أحد مصادر المشدّد (أي كذّب) ؛ لأنّ مصدره قد يجيء على تفعيل مثل تكليم، وعلى فعّال مثل كذّاب، وعلى تفعلة مثل توصية وعلى مفعّل مثل ممزّق، وقوله سبحانه: (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) كاذبة هو اسم يوضع موضع المصدر كالعاقبة والباقية. وقال القرطبيّ: الكاذبة مصدر بمعنى الكذب، والمعنى لا يسمع لها كذب.ويقول الجرجانيّ: كذب الخبر عدم مطابقته للواقع. وقيل هو إخبار لا على ما عليه المخبر عنه. وقال ابن حجر: الكذب: هو الإخبار بالشّيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدا أم خطأ. قال التّهانويّ: الكذب خلاف الصّدق، قيل هو قبيح لعينه، وقيل لما يتعلّق به من المضارّ الخاصّة؛ لأنّ شيئا من الأقوال والأفعال لا يحسن لذاته ولا يقبح لذاته.ويقول الشّيخ الميدانيّ: وكما يكون الصّدق والكذب في الأقوال يكونان في الأفعال. فقد يفعل الإنسان فعلا يوهم به حدوث شيء لم يحدث، أو يعبّر به عن وجود شيء غير موجود، وذلك على سبيل المخادعة بالفعل مثلما تكون المخادعة بالقول، وربّما يكون الكذب في الأفعال أشدّ خطرا وأقوى تأثيرا من الكذب في الأقوال. ومن أمثلة ذلك ما حكاه الله لنا من أقوال وأفعال إخوة يوسف- عليه السّلام- إذ جاءوا أباهم عشاء يبكون بكاء كاذبا، وقالوا- كذبا-: (يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ)، وجاءوا على قميص يوسف بدم كذب. فجمعوا بين كذب القول وكذب الفعل.أما حكم الكذب: ذكر الإمامان ابن حجر والذّهبيّ الكذب من الكبائر، وأفحش الكذب ما كان كذبا على الله عزّ وجلّ أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وقد صرّح العلماء بعدّ هذين النّوعين (الكذب على الله والكذب على الرّسول) من الكبائر، وذهب بعضهم إلى أنّ الكذب على الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كفر، قال ابن حجر: ولا ريب أنّ تعمّد الكذب على الله ورسوله في تحليل حرام أو تحريم حلال كفر محض، وإنّما الكلام في الكذب عليهما فيما سوى ذلك.وقد ذكر الذّهبيّ أنّ الكذب في الحالتين السّابقتين كبيرة، وأنّ الكذب في غير ذلك أيضا من الكبائر في غالب أحواله.ومن معاني كلمة «الكذب» في القرآن الكريم: بمعنى النّفاق: (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) أي ينافقون. بمعنى الإنكار: (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأي) أي ما أنكر. بمعنى خلف الوعد: (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) أي ردّ وخلف. بمعنى الكذب اللّغويّ: (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ 5)، (فَكَذَّبُوا عَبْدَنا)، (فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ)، (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ)، (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا).من مضار الكذب: فالكذب وسيلة لدمار صاحبه أمما وأفرادا. وقد يؤدّي بصاحبه إلى النّار، وهو دليل على خسّة النّفس ودناءتها، واحتقار النّاس له وبعدهم عنه، يمقت نفسه بنفسه ويحتقرها.
الكذب
- 25/08/2022
- /
- الوطن
تأملات في القرآن
+ A
A -