+ A
A -
خولة مرتضوي
تقول إحدى الصديقات، وقد افتتحت مؤخرًا مركزًا للتجميل والتخسيس، إنها أرادت أن تستعين بإحدى (الفاشنيستات - نساء الدعاية والإعلان) ممن وصل عدد متابعيها عشرات الآلاف في الداخل والخارج، وذلك بهدف الترويج لمركزها الجديد وتقديم خصومات متنوعة لهؤلاء المتابعين.
وبحسب البروتوكول المتبع في مثل هذه الحالات، أي التعاون مع المسوقين الجدد من نساء ورجال الدعاية والإعلان، قامت الصديقة بالتواصل مع البريد الإلكتروني الذي نشرته المسوقة في صفحاتها المختلفة في برامج التواصل الاجتماعي، وطلبت منها تقديم إعلان حول مركزها الجديد لتكون مدته ربع ساعة في منصتها الاجتماعية العامة في برنامج السناب شات، فتفاجأت بالرد الذي وصلها بعد أقل من 24 ساعة، حيث حددت المسوقة مبلغًا خياليًا يفوق 30 ألفا، بالإضافة إلى اشتراطها الاستفادة من كافة خدمات ومنتجات المركز التجميلي لمدة أسبوع، كما حددت -من طرفها- حجم الخصومات التي ستقدمها للمتابعين، كل هذا وهي لم تزر المركز ولا تعرف أكان يستحق الترويج والدعاية أم لا، ولا تعرف إن كانت الخدمات والمنتجات التجميلية التي يقدمها لزواره آمنة وصحية ومرخص لها من قبل وزارة الصحة العامة أم لا!
شخصيًا ليس لدي مشكلة كبيرة من التعاطي مع هؤلاء المسوقين الجدد، بشرط ألا يجمعوا بين عملهم الإعلامي وبين الدعاية والإعلان، وبشرط أن تكون خدماتهم ومنتجاتهم المعلنة ذات درجة عالية من المصداقية والاحتراف، وبشرط ألا يتحول المُعلن المُسوق إلى أداة للتهريج أو الاستعراض والابتذال وخدش الدين والحياء، فلو توفرت هذه الضوابط في المسوق المسوقة فأداة التسويق الجديدة هذه لا غبار عليها، لا سيما إذا كان المسوق يمتاز بشخصية لامعة وريادية تستقطب الحشود وتعبئهم وتوجههم إلى مكامن الخير والنماء والصلاح الديني والمجتمعي والحضاري، لكن المكلة الحقيقية أن الواقع مليء بنماذج دعائية سيئة السمعة لدى أولي الألباب، إلا أن الجمهور يُقبل عليها بقصد تحري الاستفادة من بعض المنتجات والخدمات التي يقدمونها، فتجد أن المهرج، أي صاحب الرسالة التهريجية لا الرصينة من أصحاب الآلاف المؤلفة من المتابعين، يُدعى لتغطية حفل افتتاح المشروع *** الذي عملت عليه الهيئة الحكومية أو الخاصة ***، وهو ذات الشخص الذي تصدر عنه الألفاظ والتعابير والأفكار النابية السوقية جدًا، فهي إذن ظاهرة اجتماعية تسويقية جديدة ومعقدة التأثير، وفي النهاية لا عذر لهذه المؤسسات أو الشخصيات الرصينة في لجوئهم إلى هؤلاء المسوقين المسوقات لنيل هدف أسمى وهو الترويج والدعاية والتسويق الجماهيري الكبير، فمن يلجأ إلى هؤلاء لا يمكنه أن يحاكمهم في النهاية إن خرج عنهم تسويق لمنتج أو فكرة غير رصينة، فالخلل الأساسي ينبع من الاختيار الخاطئ للمسوق الذي سيقبل أن يروج لجماهيره فكرة أن البصل يُزهر ياسمينًا فلان من الناس بسعر وقدره ***، وسيقبل بعد حين من الزمن أن يروج لفكرة معاكسه، الياسمين يُزهر بصلا لفلان آخر أراد أن يدفع سعرا أعلى من المعلن السابق.
يقول الكاتب الأميركي الشهير سيث جودين Seth Godin: «لا تبحث عن زبائن لمنتجاتك، ابحث عن منتجات لزبائنك»، ومفاد القول هنا أن الاعتبار الأكبر بالنسبة لـ (غالبية) المسوقين الجدد هو العائد المادي، لا أصالة المنتج أو الفكرة أو المشروع أو احترام عقلية المتابعين، وهذه الظاهرة تُنذر بخطر كبير، فمن ناحية تكون الجماهير المتابعة، غالبًا، شديدة التعلق بهذا المشهور وتذود عنه بكل استشراس في الحق وفي الباطل، ومن يتعلق إلى هذا الحد يصعب عليه التمييز بين ما هو رصين من محتوى وبين ما هو مجوف ومقعر ويُبتغى منه إلا كنس الأموال الطائلة دون فائدة تعود على الجمهور الطالب أو الساعي للحصول على الخدمة، إذن فالضوابط المهنية والأخلاقية لهذا التسويق معدومة للغالية إلا ما رحم ربي.
ومن ناحية أخرى، فإن الضوابط القانونية لهذه المهنة الجديدة (التسويق المستقل) غائبة وغير واضحة المعالم، فعندما يعلن أحد هؤلاء عن منتج ضار بالصحة على سبيل المثال ويقبل عليه بالنتيجة عدد كبير من متابعيه وتتأثر صحتهم، كيف يمكنهم أن يقاضونه على بيع الوهم والضلال لهم وما هي الجهة الاعتبارية، الجادة، التي ستقوم بالدفاع واخذ الحق المهدور من هذا المسوق أو ذاك؟
إن إصلاح وضعية موجة التسويق الجديدة هذه مرتكزة على ضرورة إصدار تشريعات وقوانين جديدة تكفل العمل الإعلاني والدعائي المستقل في الفضاء الإلكتروني، فضاء الإعلام الجديد ومنصات التواصل الاجتماعي، فالتسويق الجديد هذا عبارة عن دائرة متصلة تتكون من ثلاثة أجزاء، أولًا: المعلن (أقصد به المشهور الذي سيعرض المنتج لجمهوره المتابع)، ثانيًا: الفكرة أو المنتج أو الخدمة المعلن عنها، ثالثًا: حجم التفاعل من قبل الجمهور المتابع) فمتى ما صلحت هذه الدوائر حقق التسويق غايته الأولى وهي الوصول إلى شريحة مقصودة من الرأي العام، ومتى ما كانت الأصالة موجودة في الخدمة أو الفكرة أو المنتج والنزاهة والموضوعية متوافرة عند المعلن (والتي تعني كذلك عدم فرض مبالغ خيالية على الجهة الطالبة)، أصبحت نتيجة التسويق والهدف المبتغى عنه إيجابية للغاية، والعكس صحيح.
{ إعلامية وباحثة أكاديمية - جامعة قطر
[email protected]
copy short url   نسخ
10/07/2021
1894