+ A
A -
مهنا الحبيل
باحث عربي مستقل
مدير المركز الكندي للاستشارات الفكرية
لا يمكن اعتبار القرار الأخير لإدارة الرئيس جو بايدن، الانسحاب من مناطق رئيسية في آسيا وخاصة في الخليج العربي، ضمن إعادة توزيع القوات الأميركية الذي كان يجري في السابق، لأسباب لوجستية لخارطة القيادة العسكرية المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، أو لإعطاء رسائل سياسية موسمية.
وقد يطرأ على ذلك السؤال المتكرر، ولماذا تنسحب الولايات المتحدة الأميركية، من مناطق نفوذ حيوية هل ستتخلى عن مصالحها؟
الجواب هنا في خطأ اعتبار هذه المصالح كتلة جامدة لا تتغيّر، وهي العقلية الأزموية في دول مجلس التعاون الخليجي، فاتفاق توجهات اليميني الجمهوري المتطرف ترامب، مع الرئيس الديمقراطي بايدن، يحكمها هذا التصور الجديد لتقدير ما هي مصالح الولايات المتحدة الأميركية الأساسية، وما هو المقدار الاضطراري لتقديمه لضمانها.
هذا الخطاب اختلف عن جو بادين، ونلاحظ هنا قضية انسحاب واشنطن من أفغانستان وإصرار البيت الأبيض الجديد، على إقرار هذه الاستراتيجية، والتي انهارت بعدها قوات الحكومة الأفغانية، أمام زحف حركة طالبان الجديد، وهو زحف يحتاج لحذر شديد في تقييمه، وتقييم مآله ما لم يلتقط الأفغان فرصة وقف الحرب وإرساء السلام.
غير أن الرئيس بايدن، التقط فوراً رسائل أنقرة للاستعداد في التعاون على ملء الفراغ الذي تحتاجه واشنطن، وهو ما كانت سياسة الرئيس التركي اردوغان الذي أكدها في خطاب قومي مؤخراً يسعى لها، وهو أن الخلاف مع حكومة بايدن، لن يتصاعد، وأن التقاء المصالح سوف يحسم الأمر، وبالذات في كون أن أنقرة تُمثّل حليفاً قديماً، لا يمكن أن تراهن واشنطن على خسارته، فلماذا لا يستفيد البيت الأبيض، من هذا التقاطع الملح؟
هذا ما حصل بالفعل، وكان إحالة ملف التوازن الجديد في أفغانستان، خشية تحول البلد إلى حرب عسكرية شاملة تقوض الدولة الأفغانية، هنا وجدت واشنطن دوراً مهماً لأنقرة، ووجدت أنقرة مخرجاً مهما لتوتر علاقتها مع الديمقراطيين، ولكن ستبقى حسابات أفغانستان الصعبة في مواجهة قدرات تركيا، وإن كانت علاقات الأتراك حتى في ظل وجودهم في أفغانستان، تحت التحالف مع قوات الغزو العسكري من الناتو، حينها سعت إلى إيجاد خطوط تواصل قبلية مع طالبان، وهو ما يسعى الاتراك اليوم إلى تطويرها، وتجنب أي مصادمة مع الحركة.
هنا كانت تركيا بلد حليف له مصالح تديرها مع واشنطن، وإن بقيت أميركا ذات البعد المركزي الأساسي في قدرات إدارة المصالح مع الحلفاء، وفي ذات الوقت أقدمت واشنطن على الانسحاب، حتى لو أُعيدت جدولته مؤقتاً، وتركت الحليف الضعيف الذي تمثله الدولة الأفغانية من بعد الغزو الأميركي في مواجهة هذا المستقبل، وانخفض لدى واشنطن اعتبار مستقبل هذه الدولة أساسي لأمنها القومي.
هذه الحسابات حين تُنقل إلى منطقة الخليج العربي، يفهم موقف الصدمة فيه، وهي أن الانسحاب من مناطق متعددة حساسة في الخليج العربي، يقوم على أن تقديرات المخاطر اختلفت، بما فيها أن هذا الفراغ العسكري الذي سيحصل، لا يهم أن يخدم طهران في ثنائية التقدم في مناطق زحفها وخاصة في اليمن، وفي التوجه الأميركي لإتمام صفقة العلاقات الجديدة باسم العودة للاتفاق النووي.
أي أن واشنطن في حالة تركيا الحليف، أو طهران الخصم الموسمي ذو التقاطع القائم حتى اليوم في العراق، تتعامل مع القوة على الأرض، وإدارة الموقف من الخوف والقلق الخليجي الرسمي، لن يكون بزيادة القوات ولا بإبقاء القدرات الدفاعية في ذات مستواها، بناء على هذا التقييم، فهنا خطوط التوازن في تقدير الأميركيين مع طهران قائم، وخاصة في ظل المعركة الجديدة مع بكين أو تصفية الحسابات مع التغول الروسي.
ولقد ظلت فكرة التفاهم مع فارس كقوة أساسية في إقليم الخليج العربي، تحكم مفاوضات اللوبي الإيراني الذكي في واشنطن، وهي قناعة غربية قديمة، لم تتغير رغم البعد الطائفي للجمهورية الإيرانية الحديثة، الذي أعقب حكم الشاه كحليف قديم للغرب، لكن كيف آل الواقع في الخليج العربي إلى هذه الهشاشة المبعثرة، التي رغم كل ما أنفقته، لم تساوي ثقلاً يُذكر في ميزان الصراع الجديد؟ للحديث صلة.
copy short url   نسخ
27/06/2021
2218