+ A
A -
صلاح سلام كاتب لبناني

النقاشات الدائرة حول تأليف الحكومة اللبنانية ، وما تفرزه من حملات مغرضة تستهدف بعض الشخصيات الموثوقة، والمرشحة لتولي حقيبة وزارية، كشفت حجم صدمة بعض الأطراف في المنظومة السياسية، من المعايير والقواعد التي وضعها الرئيس المكلف في تشكيل حكومة العهد الأولى، بما ينسجم مع المهمَّات الملقاة على عاتق السلطة الجديدة، ويلبي تطلعات وآمال اللبنانيين في إعادة بناء الدولة، وتحقيق الإصلاحات المطلوبة.

لعلها من المرات النادرة في تاريخ الحكومات اللبنانية، أن تكون الكفاءة هي المعيار الأساس في اختيار الوزراء، على قاعدة «الرجل المناسب في المكان المناسب»، بعيداً عن اعتبارات الانتماء لهذا الحزب أو ذاك التيار، ودون انتظار الترشيحات على خلفية الولاء الشخصي للزعيم، ومدى قدرته في خدمة مصالحه الفئوية أو الانتخابية، ولو على حساب مصالح الدولة والناس أجمعين.

لكن الإشكالية التي تؤخر الولادة الحكومية تكمن في عدم تسليم بعض الأطراف السياسية بتلك المبادئ والمعايير، ومازالت تتصرَّف وكأن الدولة يجب أن تبقى رهينة المحاصصات السياسية والحزبية.

الواقع أن المعايير التي يتمسك بها الرئيس المكلف، طبعاً بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، تُعتبر بداية الخطوات الإصلاحية السياسية، التي كثُر الحديث عنها في العهود السابقة، ولم تأخذ طريقها إلى التنفيذ، بسبب عرقلات المنظومة السياسية الفاسدة لأي محاولات إصلاحية.

رغم أن لبنان لم يعد يحتمل ترف الخلافات النمطية بين الأطراف السياسية، في ظل التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة، فإن بعض الأطراف الحزبية مازالت تقرأ في الكتاب القديم، وتتجاهل التعامل مع العهد الجديد وفق ما ورد في خطاب القسم الإصلاحي، وتتمسك بما تعتبره «مكاسب» حققتها في فترات سابقة، وأسقطتها المتغيّرات المتلاحقة في لبنان والإقليم.

وثمة من يخشى أن تستمر عرقلة الولادة الحكومية إلى ما بعد 18 فبراير، تاريخ الانسحاب الإسرائيلي الجديد، مما قد يؤدي إلى تمديد التواجد الإسرائيلي في القرى الحدودية فترة أخرى، بحجة عدم وجود سلطة مركزية متماسكة في لبنان، تلتزم تنفيذ موجبات الجانب اللبناني كما وردت في اتفاق وقف النار.

كما أن التأخير المتمادي في تظهير الحكومة العتيدة، من شأنه أن يُفقد العهد الجديد الكثير من الزخم الذي أحاط به، فضلاً عن إحباط آمال اللبنانيين وتطلعاتهم إلى قيام دولة قادرة على تحقيق الإصلاح والإنقاذ وحفظ الأمن والاستقرار في البلد.

من يتحمل المسؤولية الوطنية والتاريخية عن بقاء لبنان متأرجحاً بين المرحلة الواعدة.. والوقائع الصادمة؟!

copy short url   نسخ
04/02/2025
10