بينما يصرُّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب على رفض الهجرة إلى أميركا، وترحيل المهاجرين من أميركا إلى بلدانهم، يطرح هجرة أهل غزة تارة إلى الأردن ومصر، وتارة أخرى إلى ألبانيا، وهو على يقين وعلم أن أهل قطاع غزة يريدون العودة إلى قراهم ومدنهم التي هُجِّروا منها قسراً في العام 1948، وهم يسعون إلى ذلك ما استطاعوا، ولم ولن يسقطوا حقهم في العودة، فكيف لرئيس أميركا الجديد أنْ يدفع المهاجرين في بلده للرجوع إلى بلدانهم، بينما يسعى لتهجير الفلسطينيين من أرضهم ووطنهم وبلدهم؟
مشاهد عودة الغزيين إلى الشمال كالموج الهادر فور سريان الصفقة، رسالة واضحة بدلالة الواقع، وعزيمة صبر الناس خير رد على ما طرحه ترامب، وصفعة أخرى في وجه كل خطط التهجير والتطهير العرقي والإبادة الجماعية. إنها من أعظم مشاهد العصر التي تعبر عن حقيقة الواقع المرتبط بتمسك وتشبث غير قابل للشك، برغم عوامل المأساة وظروفها القاهرة، وبرغم الإبادة التي جعلت من قطاع غزة مكاناً غير صالح للعيش.
بدأ ترامب أيامه الأولى في البيت الأبيض بتصريح حاقد لا يُبشر بالخير، وهذا يعني أن السنوات الأربع في العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية ستكون كسابقاتها، بل يبدو أنها ستكون أكثر اشتباكاً في ظل استمرار ترامب في محاولة فرض رؤيته السابقة، والمتمثلة بما يعرف بصفقة القرن، القائمة على سرقة الحقوق الوطنية الفلسطينية لصالح الاحتلال، وفرض خرائط جديدة وفق أطماع الاحتلال التوسعية.
إن مخطط التهجير القديم الجديد قد رفضه الفلسطينيون في السابق، ويرفضونه اليوم وهم يجددون تمسكهم بأرضهم، عاقدين العزم على بناء كل ما دمرته آلة الحرب والإبادة، فهذه غزة التي عاش الناس فيها أشهر الإبادة بكل أشكالها، وتجرعوا الموت والجوع والعطش والبرد القارس، ولم يفكروا قط بالهجرة، بل أنه وما أن بدأت المرحلة الأولى من الصفقة حتى عاد الناس إلى شمال القطاع وشمال مدينة غزة بتدافع بشري غير معهود، فكانت مشاهد العودة رسائل حق تحملها جموع العائدين، مفادها أن لا ترحيل ولا تهجير، بل إعمار غزة هو الغاية وهو المطلوب.
إن وقف الحرب بشكل كامل وإعادة إعمار القطاع، ورفع الحصار الظالم عنه واجب على العالم بأسره، وعلى إدارة ترامب أن تعمل على ذلك، وأن تتوقف عن تصريحاتها حول التهجير، فلا قوة على وجه هذه الأرض يمكن لها أن تُهجر شعب تعرض للإبادة ولم يهاجر، بل تمسك أكثر بحقوقه وأرضه ووطنه، وقاوم كل عمليات التطهير العرقي، وهذا كفيل بإسقاط كل الخطط والمخططات المعادية والمشبوهة.القدس الفلسطينية