حمد حسن التميمي
يظن بعض الناس أن الدين محصور بعلاقة الإنسان بخالقه وبالعبادات والطقوس الدينية، بمعنى أنه يكفي أن يؤدي الإنسان الواجبات الدينية المترتبة عليه، حتى يكون على الطريق القويم، وهذا صحيح من حيث المبدأ، لكن الدين لا يقتصر على القيام بالفرائض الدينية، بل يتعدى ذلك إلى كيفية تعاملنا مع الآخرين على أساس يومي؛ سواء كان ذلك ضمن حياتنا الشخصية أو المهنية، لذلك أصبح اليوم من العسير أن تجد شخصاً يعبر عن جوهر الدين الحقيقي، أي أن يجمع بين الفرائض والعمل الصالح من خلال التصرفات والسلوكيات.
في الماضي، عندما كانت الحياة خالية من التقنيات التكنولوجية التي توغلت في حياتنا، كانت المغريات والمشتتات ووسائل الراحة أقل بكثير مما هي عليه اليوم، في ظل التسارع والتقدم التكنولوجي المهول، لذا كان أسهل على الإنسان أن يتقيد بالتعليمات والتوجيهات النابعة من الدين مما هو عليه الحال في وقتنا الحاضر.
يضاف إلى ذلك، أن الأجيال السابقة كانت أكثر وعياً وثقافة وعمقاً من حيث التفكير والقيم الإنسانية التي غابت بشكل ملحوظ عن عالمنا في الوقت الراهن، حيث استشرى المادي والسطحية والركض خلف المال بشكل مستميت، نتجت عنه الكثير من المشكلات والأمراض النفسية التي زادت الأمر تعقيداً.
وسط هذه التحديات الكبيرة التي يواجهها الإنسان كل يوم، بات من الصعوبة بمـــــــكان أن يحـــافظ المرء على ارتباطه الوثيــــــق بتعاليم الدين التعامليّة. لكن رغم كــــــل ذلك، علينا ألا نأخذ واقع عصرنا هذا حجة نبرر بها تقصيرنا وعدم تمسكنا بمبادئ الأخلاق كما يجب.
في نهاية المطاف، لن يبرر الشخص الآخر الذي ينتمي إلى أي فكر أو عقيدة أو معتقد للإنسان المتدين تصرفه السيئ معه أو عدم أمانته في التعاملات التجارية، أو أي سلوك غير أخلاقي يصدر عنه.
في الواقع، إن الدين كان وسيبقى تعبيراً عن أخلاق الإنسان وقيمه وأهدافه النبيلة، إلى جانب أنه ما الغاية من القيام بالفرائض الدينية لو لم تنهَنا عن فعل السوء وارتكاب المعاصي، والإساءة إلى الآخر؟!
إن الغاية الكبرى من أداء العبادات هي تهذيب فكر الإنسان ومشاعره، ودفعه لفعل الخير ومعاملة من حوله على أسس من الأخلاق السمحة والصدق والنزاهة. العبادات ليست مطلوبة لذاتها فحسب، بل للغاية التي وُضعت من أجلها، وهي الارتقاء بالإنسان وروحه إلى أعلى الدرجات.
إن تعاملك مع الآخرين بأخلاق عالية وطيبة قلب وسماحة وكرم وصدق في الموعد والوعد لهو عنوان نجاحك كمؤمن، بل إن الصورة التي تعكسها من خلال تعاملاتك تعطي الآخر انطباعاً عن جوهر دينك وحقيقته. وبالتالي، فأنت تشوه صورة الدين في أذهان الناس عندما تتصرف بشكل يخالف تعاليمه ومبادئه السامية، والعكس صحيح.
لست بحاجة إلى أن تنطق بكلمة واحدة في حال كانت جميع تصرفاتك تعكس صورة الدين الحقيقية، فأفعالك الإنسانية ستتكلم بالنيابة عنك، وستجعل كل من حولك يعلمون حقيقة الدين الذي تمثله وتنتمي إليه. فكن انعكاساً صادقاً وحقيقيّاً لتعاليم دينك الإنسانية من خلال ســـــلوكـــياتك وتعاملك مع الآخرين.

www.hamadaltamimiii.com