+ A
A -
قال فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن حسن المريخي، في كل يوم وحين يُثبت الله تعالى لأهل هذا الزمان الغافلين الساهين أن الطريق المستقيم هو دينه وشريعته وأن السلامة والعافية في هذه الدنيا والنجاة من فتنتها وبلائها فضلاً عن الفوز في الآخرة يكون بانتهاج منهجه وصراطه (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).
وأوضح فضيلته في خطبة الجمعة بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب أمس، أن من أجلّ النعم وأكرم المنن في هذه الحياة عامة وفي هذا الزمان خاصة بعد الإيمان هو أن يرزق الله تعالى عبده المسلم بصيرة يبصر بها حقيقة هذه الحياة، يبصر بها الحق كما أحقه الله ورسوله، كما يبصر بها الباطل كما أبطله الله ورسوله (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين، ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون) فيبصر النافع من الضار ويعرف حقيقة الإسلام وشريعته ويرى بها نعم الله عليه ومننه، ذلكم لأن أكثر الناس لا يعلمون ولا يشكرون ولا يعقلون بل ولا يؤمنون (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) ويبصر أحقيّة ربه في العبادة وحده، فيعبده ويوحده ويصفه بما يليق به ويقف عند حدوده ويعظم حرماته، ويمتثل أوامره ويجتنب نواهيه ولا يرخي حبل دينه وزمام ملته ولا يغتر بالدنيا وآمالها ولا تغلبه نفسه الأمارة بالسوء، ويحذر المحاذير والسقطات والموبقات.
عميت بصائرهم
وأضاف المريخي قائلاً: إذا أردتم أن تعرفوا نعمة الله على عباده المؤمنين بالبصيرة فانظروا إلى من عميت بصائرهم وأظلمت قلوبهم فهم في الطغيان يعمهون وفي الباطل يخوضون وفي سخط الله يسبحون (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)، مبيناً أن البصيرة هي استنارة القلب وإشراق الفؤاد بالارتباط بهذا الدين القيم، وامتلائه بالإيمان بالله ورسوله وتشبعه بالإسلام، وغسله بالقرآن واعتماد الوحي المنزل على سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، البصيرة نور في القلب يهتدي به المرء وهي عين القلب ونوره وبصره وهي فراسة المؤمن، والبصيرة للقلب كالبصر للعين، فالعين التي لا تبصر لا فائدة منها، فكذلك القلب الذي لا بصيرة له لا خير فيه، لا يدل صاحبه على الحق ولا طاقة له على التمييز والتفريق بين ما هو نافع وما هو ضار.
المؤمنون ببصائرهم
وأفاد المريخي بأن البصيرة في القلوب تكون للذين آمنوا بالله ورسله ووحدوه وسبحوه، لأن المؤمنين ببصائرهم بإذن الله يعرفون الحقيقة كلها، حقيقة هذه الدار وما بعدها في الآخرة من موت وبرزخ ونشور وحساب وسؤال وعذاب وعقاب وجنة ونار، وهذه لا يدري عنها إلا المؤمنون أما غيرهم فمعرفتهم قاصرة جداً، وهي واقفة على الدار الدنيا، يقول الله تعالى (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) وقال: (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى)، فالبصيرة مصدرها الإيمان بالله وحده والعمل بهذا الدين الحنيف وعين البصيرة توحيد الله تعالى في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، ووصفه بما وصف به نفسه، وترك وهجر الشرك والكفر والبدعة والخرافة التي تُذهب البصيرة وتمحوها.
تعمى البصائر
وأكد فضيلته أن البلوى في هذه الدار الدنيا، أن تعمى البصائر وتظلم القلوب وتعمى وتنكس فهي سوداء مريادة كالكوز مجخياً لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً بفعل الذنوب والمعاصي وإهمال جانب الدين القيم وهجر القرآن والبعد عن الطاعة والعبادة والاغترار بالدنيا وطول الأمل كحال أكثر هذا الزمان كأنهم خُلقوا سدى وتركوا هملاً (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون)، وعندئذ لن يلتفت المرء إلى حرام وحلال ولن يجد غضاضة في تعدي الحدود ولا حرجاً في الظلم والفجور، ولن يرى الحق حقاً ولا الباطل باطلاً، بل ستختلط عليه الأمور وسوف يتخبط في هذه الدنيا كالذي يتخبطه الشيطان من المس وكالأعمى الذي لا قائد له، ويستحل ما حرم الله ويُحرم ما حرم الله، ويتخذ العدو صديقاً، والصديق عدواً وسوف يستبيح بيضة المسلمين ويصون صوامع الكافرين.
العمى المبين
ونوه بأن عمى البصيرة والقلب لهو العمى المبين والبلاء العظيم أما عمى الأبصار والعيون فهو مرض عارض قد يشفى منه الإنسان ولا يضر في دين ولا خلق فأكرم العباد أصابهم عمى العيون وهم أولياء كعبدالله بن أم مكتوم رضي الله عنه مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عاتب الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم عندما أعرض عنه منشغلاً بمن يطمع في إسلامهم، (عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى) فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحب به بعد ذلك (مرحباً بمن عاتبني فيه ربي)، إن السبب الكبير في بلوى عمى البصيرة هو الإعراض عن هذا الدين وهذه الملة الحنيفية وهذا النور والوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
دعوته للتوحيد
وأشار فضيلته إلى أن الله تعالى ذكر أمثلة لمن عميت بصيرتهم في هذا الكون في يوم من الأيام، فانتكست فطرهم وشانت سلوكياتهم ذكرهم عبرةً وعظةً لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فهذا فرعون رأى في موسى كليم الله أنه سيفسد في الأرض فخاف على بني إسرائيل منه، يقول (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) وقال يمدح نفسه (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) مع أن الله تعالى قال عن مشروعه وسلوكه (وكذلك زُين لفرعون سوء عمله وصُد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب) يعني في ضلال وخسار، وغر قومه فأضلهم فهم عميان يعمهون (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين) وكذلك من الأقوام الذين عميت بصائرهم قوم نوح عليه السلام الذين من عمى قلوبهم ردوا عليه دعوته للتوحيد وقالوا (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) الساقطون في نظرهم ولو كانت دعوتك صحيحة لاتبعك عِلْية الناس، وغيرهم كثير في القرآن والسنّة ولهم أشباه ونظائر في كل الأزمان والله من ورائهم محيط.
دين الله
واختتم خطبته قائلاً: والله لقد عميت البصائر حتى رئي الحق باطلاً والباطل حقاً وضيعت الحقوق وتعديت الحدود وخُوِّنت الأمانات وأزهقت الأرواح وأهريقت الدماء واستبيحت، واحتلت الأوطان والبلدان، وأهدرت المكتسبات واتخذ اليهود والنصارى أولياء من دون المؤمنين، وافتخر باتخاذ الاعداء أخوة وأصدقاء وخلان، انطمست البصيرة وزُين سوء العمل فرأوه حسناً ورئي ترويع الناس بطولة، وقتلهم وتجويعهم وتدميرهم قوة، وسمي الله جل جلاله وشُبّه بما لا يليق به، فما أحوجنا إلى العمل بدين الله لمرضاته واستنارت بصائرنا، حتى نتبين ما اختلط من الأمور، وحتى نستبين سبيل المجرمين ونعرف عدونا من صديقنا، (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون).
copy short url   نسخ
13/10/2018
6342