+ A
A -
خالد وليد محمود
كاتب عربي
إن أغلب التاريخ يكتبه المنتصرون.. هذا القول نسبياً صحيح. مثلاً هتلر مهزوم؛ لذا نرى التاريخ يتحدث عن جرائمه وسيئاته، بينما نسمع عبارات المدح والثناء على الرئيس ترومان الذي قصف اليابان بالقنبلة النووية، وتشرشل الذي كان سبباً في موت مليون شخص جوعاً في الهند، وتشرشل هذا نفسه الذي قال: «التاريخ سيكون كريماً معي؛ لأنني من سيكتبه». لكن التاريخ يكتبه أيضاً المهزومون، وكذلك المتوحشون والأفّاقون والمجرمون، وكل هؤلاء لهم روايتهم أيضاً!
وإذ يصرّ الكثير على مقولة «التاريخ يكتبه المنتصرون»، إلا أن ذلك لا يمنع من القول إن المنتصرين قد يكذبون ويجمّلون وينمّقون، لا بل يكذبون أكثر من اللازم؛ لأنهم يخفون فظائعهم أو يلصقونها بالمنهزمين، والمنهزم ميت، والميت لا يدافع عن نفسه.
وللمنتصرين أو المهزومين روايتهم عن الصراع والأحداث، مثلاً، الروس كتبوا روايتهم عن الهزيمة والانتصار، مرة مع نابليون، وأخرى مع هتلر. والألمان كتبوا روايتهم عن هزيمتهم في روسيا، لكنهم كتبوا قصة صمودهم في الحرب في مواجهة الحلفاء، تماماً كما فعل اليابانيون في مواجهة الأميركان.
الأميركيون كتبوا هم أيضاً روايتهم عن هزيمتهم في مواجهة الفيتناميين، كما نسجوا أساطير عن صمود جنودهم في الأدغال والمستنقعات. وهناك كثير من الأفلام السينمائية والوثائقية التي تؤرخ لهذا الحدث. لو جئنا لتاريخ العرب، لوجدناه انتقائياً بشكل عجيب. ما درسناه ويُدرّس في مدارسنا وجامعاتنا لا يعدو أن يكون تاريخاً «ناعماً» و«وردي الصورة»، ومن كتبه غضّ الطرف عن كثير من المنعطفات التاريخية المؤلمة، وأبقى على الأحداث الجميلة فقط؛ فأفقدنا معرفة تلك الأخطاء الكارثية التي وقع فيها أجدادنا وأسلافنا. وفي ظني أن العرب من الأمم القليلة ربما التي لا تملك رواية واحدة عن تاريخ أحداثها، لا عن انتصاراتها ولا هزائمها.
copy short url   نسخ
17/02/2021
1001