+ A
A -
خولة مرتضوي
إعلامية وباحثة أكاديمية- جامعة قطر
إنَّ اللغة العربية تُعاني في زماننا من تحَدِي التغريب، خاصَة أنَّ اللغة الأُم اليوم زُوحِمَت بسبب عامل العولمة التي قوَّضَت الفضاء العالمي، وأصبح من الضروري والمُلِح أن يتعلَّم النشء اللغة الإنجليزيَّة؛ جنبًا إلى جنب اللغة العربية الفصحى، لكن مع تراجُع اهتمام أصحاب الفصحى بلغتهم الأم وازدياد الطلب في السوق المحلي على من يمتلكون اللغة الإنجليزية دون اشتراطِ لأهميَّة إجادة وإتقان اللغة العربيَّة ألفُصحى أصبحَت القاعِدة معكوسة، فاليوم أغلب المدارس تُركِّز في مناهِجها التعليميَّة على الإنجليزيَّة وحتى الفرنسيَّة، وأصبحت العربيَّة تتراجَعُ شيئا فشيئًا، إلى أن وصَلَ الأمر إلى أن يتخاطَب الأهل مع أبنائهم بالإنجليزيَّة حتى يُساهِموا في تأكيد وترسيخ هذه اللغة في أذهان الناشِئة، ولذا فلا استهجان عندما نُلاحِظ أنَّ بعض الأسَر تشتكِي أنَّ أبناءها لا يفهمون العربيَّة ويُفضِّلون الإنجليزيَّة لاستيعاب الحديث الموكل لهم.
أعتقد أنَّ هذه الإشكالية عليها أن تُحَلَّ على مستوياتِ متعدِدَة، من أهمها الدور الذي تلعبُهُ مؤسسَة الأسرة في ترسيخ جذور هذه اللغة العريقة في وجدان وحافظة الأبناء، فالأُسَر التي تتعَمَّد أن تُدير كافَّة حواراتها مع أبنائها باللغة الإنجليزية سيجنون نتيجة تراجُع العربيَّة على لسان أبنائها بكُل تأكيد، وأعتقِد أنَّ مهمة الأسر كبيرة نحو هذه الإشكالية، منها قراءة القصص للأبناء بالعربيَّة الفصحى وتعليمهم كلمات جديدة، حثِّهم على قراءة الصحُف في سِن مبكرة وتوجيههم لمعاني الكلمات الجديدة، وذلك لتحصيلهم ذخيرة لغوية متزايدة مع الأيام، إضافة إلى الحرص على إرسالهم لمدارس تُراعي تدريس اللغة العربية بشكل أساسي إضافة إلى أهمية تعلُّم لغات عالميَّة أخرى وعلى رأسها اللغة الإنجليزية، مع الاهتمام والعناية بتحفيظ النشء القرآن الكريم في سِنٍ مبكرة، لما لهُ من أثَر كبير في ضبط اللسان وصون اللغة من الاندثار، وكذلك الحرص على تعرُّض الأطفال ومن هم في سِن صغيرة لعدد من المواد التليفزيونية أو حتى اليوتيوبيَّة المقدَّمة باللغة العربيَّة الفصحى.
وبما أني أعمل في مجال الإعلام، فإنِّي لا أُبرِّئ وسائل الإعلام العربية من تورطها في إشكالية تراجع اللغة العربية، وضرب هذا المتراس الثقافي الذي يعتبر علامة بارزة من علامات توحيد هذه الأمة، حيث نجد أنَّ أغلب البرامج الجماهيرية تركّز على استخدام اللهجات المحلية، حتى أصبح المذيعون الذين يقدمون اللغة البيضاء التي تزاوج بين اللهجة المحلية والفصحى؛ عددهم قليلٌ جدًا وفي تراجع مستمر، كما أنَّ الذين يتحدثون العربية في البرامج والنشرات الإخبارية بحاجة إلى تدريب وممارسة كبيرة، حيثُ نلحظ الكثير من اللحن في استخدام اللغة ورفع المنصوب ونصب المرفوع وغيره من الأخطاء العظيمة في حق اللغة التي ساهمت في انتشار الأخطاء اللغوية واستساغتها مع الأيام من قبل الجماهير، إضافة إلى ضعف إنتاج برامج التعليم التي تبث عبر مختلف وسائل الإعلام، فحقبة برامج: «المناهل» و«افتح يا سمسم» غادرتنا منذ زمنٍ بعيد، ولم نعُد نسمع نهائيًا عن تخطيطٍ أو نيّةٍ لإنتاج المزيد من هذه البرامج الهادفة التي تؤصِّل استخدام الفصحى وتربي النشء عليها، وإنِّي إذ أؤمن أننا بحاجة إلى برامج جديدة تقدِّم مضامين تتخذ العربية الفصحى أساسًا لها، فمثل هذه البرامج ساهمت مساهمة كبيرة في تحبيبنا في اللغة العربية الفصحى، لذا فإنّ شركات الإنتاج البرامجي في المنطقة العربية عليها أن تعود لإنتاج مثل هذا الخيط الرفيع المستوى من البرامج التي كانت تُحقق هدفها الإعلامي والإنتاجي والأُممي على وجه السواء.
إنَّ الجهود التي تبذُلها الدولة في إقامة نهضة لغوية شاملة تلبّي متطلّبات العصر الذي نعيشه، وتحافظ في الوقت عينه على أصالة اللغة العربيّة وجمالها؛ أمرٌ مبشّرٌ بكُلّ خير، ويبقى أن تلتزم مؤسسات المجتمع وعلى رأسها مؤسسة الأسرة، بشكلٍ جادّ في تطبيق هذا القرار، فالعربية هي جزء أساسي من هويتنا العربية والإسلامية الغرّاء، وأي تنازُلٍ عنها يُعَدُّ تنازُلًا وبيعًا مباشرًا لأصالتنا الحقيقية، فهذه الإرادة الجماعية هي مطلبنا في الفترة القادمة وذلك للحفاظ على لغة القرآن الكريم والارتقاء بها، لتصبح شامتنا الدالّة بين الأمم.
copy short url   نسخ
09/01/2021
3601