+ A
A -
خالد وليد محمود
كاتب عربي
تقول الأسطورة -المترجمة عن الأدب الروسي- إنه وفي القرن التاسع عشر التقى الصدق والكذب من غير ميعاد، فنادى الكذب على الصدق قائلا: «اليوم طقس جميل»، نظر الصدق حوله، نظر إلى السماء، وكان حقاً الطقس جميلا.
قضيا معاً بعض الوقت، حتى وصلا إلى بحيرة ماء، أنزل الكذب يده في الماء ثم نظر للصدق وقال: «الماء دافئ وجيد» وإذا أردت يمكننا أن نسبح معا؟ وللغرابة كان الكذب محقا هذه المرة أيضاً، فقد وضع الصدق يده في الماء ووجده دافئا وجيدا.
قاما بالسباحة بعض الوقت، وفجأة خرج الكذب من الماء، ثم ارتدى ثياب الصدق وولى هارباً واختفى، خرج الصدق من الماء غاضبا عاريا، وبدأ يركض في جميع الاتجاهات بحثاً عن الكذب لاسترداد ملابسه.
العالم الذي رأى الصدق عاريا أدار نظره من الخجل والعار، أما الصدق المسكين، فمن شدة خجله من نظرة الناس إليه عاد إلى البحيرة، واختفى هناك إلى الأبد. ومنذ ذلك الحين راح يتجول في كل العالم لابساً ثياب الصدق، محققاً كل رغبات العالم، والعالم لا يريد بأي حال أن يرى الصدق عاريا... انتهت القصة.
القصة مجرد أسطورة، والأساطير ما هي سوى خيال، ولكننا نضرب بها الأمثال، ففيها ما يستحق من العبرة والإسقاط على ما يجري حولنا.
هي حكاية مُعبّرة عن واقعنا المؤلم، وخاصة في عالمنا العربي، فالكذب هو الأساس الذي تنطلق منه جميع مصائب البشرية؛ بل هو القاعدة الذي تستند عليه أي مشكلة تحدث وتقع، صغرت أم كبرت. لا أعتقد أن الكذب يمكن تبريره ..إنّ هذه القصة تجعلنا على الأقل نتساءل عن مساحة الصدق في حياتنا، وما أكثر أولئك الذين لا يعرفون معنى الصدق، ولا يريدونه أن يسكن في نفوسهم، وما أكثر أولئك الذين يلبسون ملابسه وفي حقيقتهم غير ذلك، فيخفون مشاعر سوداوية وعنصرية، تحت يافطة «صدق النوايا» التي يحاولون إظهارها بينما يخفون عكسها.
copy short url   نسخ
30/12/2020
2132