+ A
A -
مع نهاية كل عام، ترنو الأنظار إلى تاريخ الثامن عشر من ديسمبر، وتشخص الأبصار باتجاه الكورنيش حيث العرض والمسير والإبداع الكبير..
يوم الوطن بعبق التاريخ، وشريط الذكريات وأرشيف البطولات، منذ تأسست هذه البلاد بواسطة الرجال الأولين.. بقيادة الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، هذا الرجل النادر بصفاته، والمميز في سماته، والذي كان له دورٌ بارزٌ في تحديد ملامح قطر وشخصيتها وهويتها، مروراً بحكام البلاد المؤثرين، كلٌ في حقبته ومرحلته، وصولاً لقائدنا الهمام «تميم المجد».. الذي يقودنا اليوم في مرحلة تاريخية ستروى تفاصيلها للأجيال القادمة، وفيها من العبر والفخر الشيء الكثير..
نعم يا صاحب السمو.. فبقيادتكم الحكيمة وتوجيهاتكم الملهمة وصلت قطر لهذه المكانة المتميزة من العطاء والصمود والإنجازات بمختلف الصُعد والمجالات، حتى أضحت «قصة نجاح» يتحدث عنها الآخرون..
‏من حق هذه البلاد أن تفخر بماضيها وحاضرها.. وتتطلع بأمل وعمل إلى مستقبلها..
‏من حقها أيضا أن تباهي بقيادتها وشعبها..
واليوم الوطني، كونه يأتي في نهاية العام، فهو أيضاً يكون فرصة لجرد الحساب، والتعرف على المنجزات، وكشف الأرباح والخسائر.
ورغم أن هذا العام استثنائي لما حلَّ بالدول من وباء عطّل التنمية وشل الاقتصاد في معظمها، إلا أنه- ولله الحمد- لم يصبنا من آثاره وإضراره إلا الشيء المعقول، ونجحت خطط الدولة وتعاون الشعب في التخفيف من حدة انتشار هذا الوباء وآثاره، بل إن كثيرا من الإنجازات تحققت في هذه الظروف الصعبة.
وشهر ديسمبر وحده كان على موعد مع عدد من الأحداث البارزة، والكرنفالات المميزة، والتي تكون في بهجتها وفرحتها كبهجة وفرحة التفاعل في المناسبات والأعياد..
ففيه اليوم الوطني، وإصدار عملة جديدة، وافتتاح استاد فخم في نادي الريان، ونهائي كأس الأمير، والفوز بشرف استضافة دورة الألعاب الآسيوية 2030، واقتصاد متين، وبورصة مستقرة، وعجلة تنمية مستمرة..
نحمدك يا ذا العرش..
ثمة أشياء لا تقدر بثمن، وهي كثيرة، لعل أبرزها الصحة والأمن والطمأنينة والاستقرار.
اليوم الوطني لدولتنا الحبيبة فرصة لاستذكار ما حبانا الله به من نعم، بفضل قيادة جعلت من رفاهية مواطنيها أولوية، فبذلت الغالي والنفيس لتحقيق آمالهم وتطلعاتهم على كل صعيد، فصارت ذكرى اليوم الوطني محطة لتجسيد معاني التكاتف والولاء والأخوة الصادقة بين أبناء الوطن الواحد، نستلهم فيها المعاني العميقة لإحياء ذكرى المؤسس، المغفور له بإذن الله، الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، طيّب الله ثراه، الذي وضع اللبنات الأولى لدولة قطر، حتى أضحت منارة للتقدم والرفاه، بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل الجهود الجبارة لقيادتنا الرشيدة، وعلى رأسها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، وصاحب السمو الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، (حفظهما الله)، حيث شهدت قطر نهضة شاملة وتطورا مذهلا وأداء مبهرا قل نظيره في الدول الأخرى، وخلال فترة وجيزة من الزمن.
ذروة احتفالات اليوم الوطني كانت بالمسير، الذي أقيم على كورنيش الدوحة صباح الجمعة، وهنا لا بد من التوقف مليا أمام ما قاله صاحب السمو، عبر حسابه الرسمي على موقع «تويتر» مباركا لشعبنا هذه المناسبة الوطنية الغالية:
«في اليوم الوطني لبلدنا، أبارك لشعبنا هذه المناسبة التي تأتي في عام من التحديات لكنها شاهدة على مسيرة حافلة بالعطاء والمنجزات التي تحققت عبر الأجيال وعلى كل الصعد، وجعلت من قطر واحة استقرار وتطور ورخاء..
فخورون بهذه النهضة ونتطلع لتحقيق المزيد بإرادة الله ثم إرادة أبنائنا وبناتنا».
نعم.. فمسير هذا العام، واحتفالاتنا باليوم الوطني، يأتيان في ذروة مجموعة من التحديات، خاصة فيما يتعلق بجائحة «كوفيد 19» التي تجتاح العالم بأسره، ومع ذلك فقد استمرت مسيرة العطاء على وتيرتها العالية، بل أضيف إليها الكثير من المنجزات الهامة، أدت في مجملها إلى تكريس قطر واحة للأمن والأمان والاستقرار، ولم يكن غريبا على الإطلاق أن تسجل قطر أقل نسبة وفيات على المستوى العالمي بسبب كوفيد 19، وذلك يرجع إلى جاهزية مؤسساتنا الصحية التي بذلت جهودا كبيرة، فاستحق العاملون في المجال الطبي شرف التقدم في المسير الوطني، وكانت لفتة عرفان وتقدير أثلجت صدورنا جميعا.
قواتنا المسلحة وفرق وزارة الداخلية أثلجت قلوبنا هي الأخرى خلال المسير الوطني، إذ أعطت إشارة أخرى على جاهزيتها لحماية الوطن، وكان الختام بعرض جوي أبهرنا جميعا، لأنواع متعددة من طائرات الرافال «العاديات»، ومقاتلات الميراج «سنيبر» متعددة المهام الدفاعية والهجومية، والهليكوبتر الأباتشي «سجيل»، وإف 15«أبابيل»، والتايفون «الذاريات»، بالإضافة إلى الطائرات الحربية المقاتلة والعمودية والنقل الجوي وطائرات الشحن والطائرات الاستعراضية.
لقد وضعت قطر لنفسها بصمة في مصاف الدول الأكثر تقدما، بالتعليم والصحة والأمن والأمان والاستقرار، وضربت أرقاما قياسية في الإنجازات على كل صعيد، تشهد بها المؤشرات الدولية التي وضعتها جنبا إلى جنب مع الدول الأكثر تقدما.
لم يكن ذلك سهلا، ولم يكن الطريق مفروشا بالورود، ولم تتعلق المسألة يوما بكون قطر واحدة من الدول الغنية، بقدر ما تتعلق بوجود إرادة صلبة ورؤية ثاقبة كانتا وراء كل المنجزات الكبيرة التي نشهدها على كل صعيد، والتي تحققت خلال ربع قرن من الزمن، كان الأكثر حسما في تاريخنا الوطني.
لقد تصدرت قطر المركز الأول عربيا والرابع عالميا في مؤشر جودة التعليم العالمي، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
وفي مؤشر الصحة.. تصدرت قطر ضمن المراتب الأولى عالمياً، حيث تقدمت من المرتبة «13» إلى المرتبة الخامسة عالميا، وفقا لمعهد «ليجاتوم» في المملكة المتحدة، وذلك كون قطر تحتل المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط على صعيد متوسط العمر المتوقع، وضمن قائمة الخمس والعشرين الأفضل عالميا من حيث جودة الخدمات الصحية وسهولة الحصول على الرعاية الصحية، لذلك تمكنت قطر من مواجهة جائحة «كوفيد 19»، بفضل الإنفاق السخي على القطاع الذي ساهم في تسجيل المراكز العالمية المتقدمة، حيث خصصت الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2020 ما يقارب 22.6 مليار ريال، وشكلت هذه المخصصات قرابة 11 % من إجمالي المصروفات العامة، وتتضمن تنفيذ عدد من المشاريع الحيوية في القطاع الصحي؛ من أبرزها إجراء توسعات في المنشآت والمرافق التابعة لمؤسسة حمد الطبية، وتوفير الخدمات الطبية اللازمة لإنشاء مراكز جديدة للرعاية الأولية، وغيرها من المشاريع الصحية.
كما حلت قطر ضمن قائمة أفضل «20» دولة قامت بإصلاحات تتعلق ببيئة الأعمال لسنة 2020، حسب تقرير البنك الدولي لمؤشرات سهولة ممارسة أنشطة الأعمال، وارتفع تقييم قطر عالميا في ثلاثة مؤشرات رئيسية.
وبطبيعة الحال، فإن الحديث عن المنجزات يطول كثيرا، ومن أبرزها بدء العد التنازلي لانطلاق «مونديال قطر 2022» في غضون سنتين، وهو الحدث الرياضي الأبرز على مستوى العالم، والذي يقام- ولأول مرة- بالشرق الأوسط والمنطقة العربية.
كما أن ما ننعم به من أمن وأمان جعلنا في صدارة العديد من المؤشرات الدولية المعنية برصد حالة الأمن والاستقرار في العالم، ومن ذلك إحراز قطر المرتبة الأولى في قائمة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمرتبة الـ «27» في مؤشر السلام العالمي.
كما تلعب قطر دورا مؤثرا ومهما عن طريق الوساطة في النزاعات بين الأطراف المتنازعة للوصول إلى تسويات سلمية، وتعزيز التنمية المستدامة، والحد من التمييز ضد النساء والأقليات الدينية، وتعزيز المساعدات الإنسانية في مناطق الحروب والنزاعات.
في يومنا الوطني.. نسترجع كل ذلك ونحن أكثر إيمانا ويقينا بأن قادم الأيام سوف يحمل لنا المزيد من الأمن والأمان، وأن ما تحقق سيبقى علامة فارقة في تاريخنا الوطني..
يومنا الوطني، بقدر ما هو مناسبة للاحتفال، فإنه أيضا مناسبة للوقوف مع الذات، وتأمل ما تم تحقيقه خلال ربع قرن من الزمن، وهو هائل وكبير.
في كل ذلك، كان سلاح شعبنا على الدوام الإيمان بالله عز وجل، به واجهنا الصعاب والشدائد، ومنه لطالما كنا، وما زلنا، نستمد قوتنا وعزيمتنا، وبحمد الله عز وجل مضينا في طريقنا، وقد عبر المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، رحمه الله، عن ذلك ببلاغة منقطعة النظير حين قال:
ونحمدك يا ذا العرش والملك والعطا.. ونرضى بحكمك في جميع الفعايل
فكل من قرأ سيرة المؤسس لهذا الوطن يجد نفسه أمام رجل «بحجم دولة»، عطفا على منجزاته وبطولاته وسماته، وكذلك سيعجب بالجانب الروحاني والاجتماعي في حياته، فكان رجل الدين والشعر والأدب.. وله في هذا المجال أفعال وأقوال رسخت في الأذهان، وأصبحت مضرب الأمثال، ومراجع يستنار ويستدل بها في كل مكان وزمان.
لقد قضى المؤسس حياته في تكريس أسس دولتنا، فهو أول رجل ظهرت قطر في ظل زعامته كياناً واحداً متماسكاً، وقد استطاع من خلال سياسته أن يعمل بتوازن وحكمة لتحقيق الهدف الأول والأسمى، وهو توحيد الشعب، واستقلال الأرض، لينطلق بقطر نحو مرحلة جديدة لا خضوع فيها، ولا خنوع، من أجل سيادة كاملة على أركان الدولة، متسلحا بجميع معاني الولاء والعزة والتكاتف والقيم الوطنية، فكان هذا الأمل.. واستطاع بحكمته وحنكته وصبره وإيمانه العميق أن يوحد المجتمع القطري تحت «بيرق واحد».
من هنا كانت البداية..
وشهدت تلك الحقبة التاريخية معارك في البر والبحر لانتزاع السيادة والحياة الكريمة، فاختلط دخان البارود بالرمح والسيف الصقيل، وأقبل الفرسان والخيل والصهيل، في ملحمة وطنية لم يسبق لها مثيل.. أنصفت أهل الأرض، ونصرت فرسانها، وكان المجد المظفّر عنوانها.. فارتفع بيرق العز والفخر.. وانطلق وطن الشموخ من وسط الأحداث العصيبة برأس مرفوع وعز وهيبة.
هذا هو نبراسنا، وهذا شعبنا، وهذا وطننا الذي نحتفل به اليوم، وألسنتنا جميعا تلهج بالدعاء في كل ساعة وحين:
اللهم اجعل هذا البلد آمنا.
copy short url   نسخ
20/12/2020
6378