+ A
A -
خالد وليد محمود
كاتب وباحث عربي
عندما أراد الصينيون أن يعيشوا في أمان، شيّدوا سور الصين العظيم بين القرنين الخامس قبل الميلاد والسادس بعد الميلاد. وامتد السور لأكثر من ستة آلاف وأربعمائة كيلومتر، وبعرض ستة أمتار في المتوسط، حتى أضحى إحدى عجائب الدنيا السبع. وسور الصين العظيم هو مشروع دفاعي متكامل يتكون من جدران عالية سميكة وأبراج مراقبة وممرات وثكنات للجنود وأبراج إنذار وغيرها من المنشآت الدفاعية ولهذا الغرض تم تشييده.. لكن هل حقق غايته بحماية الإمبراطورية الصينية من الغزاة؟ الحقيقة لا!
نسوق هنا إحدى الحكم أو الأقوال التي بقيت عالقة في أذهان الكثيرين وتروى عن الدكتور والمفكر المغربي الراحل المهدي المنجرة، قوله: خلال المائة سنة الأولى بعد بناء السور تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات، وفي كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية في حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه..بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة ثم يدخلون عبر الباب.
العبرة يا رعاكم الله من هذا القول أن بناء السور شيء عظيم وجميل؛ لكن الأجمل والأقوى والأمتن والأفضل والأحسن كان بناء الإنسان الذي يحمل القيم والمبادئ والمروءة والشجاعة والإخلاص وحب الوطن وحب التضحية..فنحن مع بناء السور وهو مطلوب منا للحماية لكن الأهم من بناء الحجر هو بناء البشر. فبناء الإنسان يأتي قبل بناء كل شيء!
عربيا؛ ومن أجل بناء حارس أمين غير مرتشٍ لابد من حدوث تغييرات كبرى في حياة هذه الأمة التي ما زالت غارقة في ماضيها على حساب حاضرها، غارقة في مشاكل اقتصادية وسياسية وأمنية واجتماعية لا حصر لها ولا عد.
العبرة من سور الصين العظيم التقطها قادة الدول المتقدمة، وتفهموها جيدا. فحينما قالوا لرئيس وزراء سنغافورة الأسبق لى كوان يو «أنت صانع نهضة سنغافورة»، اعترض وقال: «أنا لم أصنع نهضة سنغافورة. أنا صنعت الإنسان السنغافوري، وهو الذي صنع نهضة سنغافورة».
لا أظن أن هذا الكلام يحتاج إلى مزيد من شرح وتعقيب لأحوالنا العربية، فاللبيب بالإشارة يفهم!
copy short url   نسخ
18/11/2020
2954