+ A
A -
خالد وليد محمود
كاتب عربي
بعض الأحيان نحتاج فسحة نرحل من خلالها إلى طرفة هنا أو هناك، نسترجع حكمة نستلهم منها العبر أو أقلّه نهوّن أو نسلي أنفسنا ونملي عليها وحشتها، في هذا الوقت العصيب الذي تمر به أمتنا والذي يصعب فيه التفكير أو التحليل وفق مقتضيات العقل والمنطق.
ولأنني مقتنع بأن الطرفة هي أدب لا بدّ من استثماره في دعم القيم والترويج للأخلاقيات بأسلوب لطيف، لذا اسمحوا لي أن أسوق لكم إحدى تلك الطرائف التي قرأتها وفحواها: أنه جاء رجل إلى جحا يستعير منه حماره، فأنكر جحا أن عنده حمارا، فنهق الحمار من داخل الدار، فقال الرجل: «ها هو الحمار ينهق!» رد جحا: «يا أخي ما تستحي، تصدق الحمار، وتكذبني ؟!» فعلا كم خُدِعنا من كاذب وظُلمنا من مخادع!
للحمار دور كبير في القصص والحكايا التراثية، ونصيب الأسد من الأمثال الشعبية، ويعد حمار جحا الظريف والمضحك، أشهر حمار في التراث العربي، والذي من خلال نوادره العديدة ومواقفه الطريفة، عبّر جحا عن الكثير من جوانب الحكمة والفلسفة.
أحد الأمثال التي جاءت لتجسد النظرة المجتمعية «السلبية» للحمار هو: «اربط الحمار وين ما بدو صاحبه»، أي بحسب ما يريده ويخطط له، ويقال عندما يحاول أحدهم أن يقنعك بأن تقوم بأمور لا داعي لها، وأن عليك اتباع تعليمات رئيسك في العمل دون أن تحاول علاج ومعالجة المسألة.
لقد ترسخت هذه المقولة كمثل تحذيري من عدم التصرف في الشيء إلا برأي صاحبه، لأنه أسلم للعواقب والتداعيات، ومعناه تنفيذ الشيء المطلوب دون المناقشة فيه، حتى لا يلقى اللوم عليك..
لا شك أن «اربط الحمار مطرح ما بدو صاحبه» هي السلبية والانهزامية المطلقة التي يستخدمها المنتفعون لقطع أي نقاش أو رأي أو اجتهاد، لفعل ما يريحهم ويحلو لهم.
أسهمت هذه المقولة للأسف بتشكيل قطاع كبير من الأجيال التي كبرت ونشأت وترعرعت في شتى المواقع والمراتب على هذه النظرية، وهاكم النتيجة المنطقية التي ترتبت على ذلك الإرث وهو اتساع قاعدة الإنسان الذي اعتاد القول: حاضر سيدي!
copy short url   نسخ
11/11/2020
2698