+ A
A -
تشكل خطابات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، السنوية أمام مجلس الشورى، واحدة من أهم محطات الوطن، ففيها نتطلع بثقة إلى المستقبل، ومنها نستمد القدرة على مواصلة المسير، وترجمة الأهداف إلى أفعال حقيقية على الأرض.
خطابات سموه أمام مجلس الشورى، وقفات للمراجعة والتأمل فيما تحقق، وقاعدة انطلاق للمستقبل، الذي نتطلع إليه بأمل على الرغم من التحولات والتحديات والظروف التي تمر بها المنطقة.
بالنسبة لنا في قطر، فقد واجهنا أصعب ما يمكن أن تتعرض له دولة، وهو الحصار مع مخطط غزو للسيطرة على قرارها الوطني وانتهاك سيادتها، كما نجحنا في اختبار مواجهته بفضل الله ثم وقوف القيادة والشعب جنباً إلى جنب، نجحنا كذلك في معالجة آثار «كوفيد – 19»، الصحية والاقتصادية والاجتماعية، وحققنا تميزاً في الأداء الصحي والحكومي بشكل عام، يجعلنا نفخر به، مما ساهم في انخفاض معدلات الإصابة وتسجيل واحدة من أقل النسب في العالم بمعدلات الوفيات، بسبب النهج الجماعي، وتضافر الجهود بين مختلف القطاعات في الدولة، من أجل مكافحة هذا الوباء بالشكل المناسب والسريع.
وبطبيعة الحال، فإن التصدي للحصار ومكافحة كورونا لم يكونا دون ثمن، فقد بذلت قيادتنا الرشيدة الغالي والنفيس من أجل تجاوز تداعياتهما دون أن تمس آثارهما المواطن والمقيم، وهكذا استمرت حياتنا كما نريد لها أن تكون، لكن خلف كل ذلك كانت هناك جهود هائلة، وعيون ساهرة، وسواعد قوية، سمحت لنا جميعا بتجاوز كل أثر سلبي، فمضينا في الطريق المرسوم، يحدونا الأمل والثقة والتفاؤل.
بالأمس وضعنا صاحب السمو أمام الجهود التي بذلت والصعاب التي تمكنت قطر من تجاوزها، عبر خطاب شامل جامع تناول مواقف الدولة تجاه مختلف القضايا القائمة على أسس ومبادئ واضحة وراسخة.
الخطاب السامي عبّر عن قيم نبيلة وأصيلة، وإذا كان قد أفرد حيزا واسعا لقضايا الداخل، بسبب جائحة «كوفيد – 19»، فإن القضايا الأخرى لم تغب، وفي المقدمة قضية فلسطين، التي بقيت في قلب السياسة القطرية، ولم تكن في أي وقت عرضة للتجاهل أو النسيان أو المساومة.
الخطاب السامي تناول عدة محاور رئيسية بصراحة وشفافية مطلقة:
أولا - جائحة «كوفيد – 19»
أوضح صاحب السمو أن خيار قطر لمواجهة هذه الجائحة كان صائبا منذ البداية، مشيرا إلى أن الإغلاق الشامل يؤجل انتشار الوباء فحسب، ويضر بالاقتصاد في الوقت ذاته، أما تجاهل الوباء واتباع نموذج ما يسمى خطأً «مناعة القطيع»، ففيما عدا المجازفة الخطيرة بحياة الناس (وهم ليسوا قطيعاً) تبين أن المناعة بعد الإصابة بالمرض ليست مضمونة، وقد اختارت قطر الإغلاقات الجزئية المرحلية المدروسة بعناية، والتشديد على الوسائل الاحترازية، والجاهزية القصوى لعزل المصابين وعلاجهم بعد التمييز بين الحالات، وتدخلت الدولة في دعم المرافق الاقتصادية المتضررة من الجائحة، وقد اتضحت صحة هذا الخيار المرن الذي لا يضحي بصحة الناس ولا بالاقتصاد.
ثانيا – إجراءات سريعة
لقد كانت قطر من أولى الدول التي تحركت لمواجهة انعكاسات هذه الجائحة على الاقتصاد، وكما أوضح صاحب السمو فقد اتخذت قطر إجراءات سريعة على محورين: الأول دعم القطاع الخاص والمحافظة على سلامة الأسواق المالية والمصرفية والريال القطري، والثاني المحافظة على سلامة الموازنة العامة للدولة. وفي هذا الصدد فقد وجهنا بتقديم دعم للقطاع الخاص المتضرر من الإجراءات التي اتخذتها الدولة للحد من تفشي الوباء، بمبلغ 75 مليار ريال قطري.
ثالثا – تحقيق أهداف رؤية قطر
لقد كان الأمن الغذائي دائما على رأس الأهداف، فكان تشجيع الاستثمار بإصدار سلسلة من التشريعات المحفزة للاستثمار وتحسين بيئة الأعمال، خصوصاً قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص.
وقد بدأت هذه القوانين والإجراءات تؤتي ثمارها، فمنذ بداية هذا العام، ازداد عدد المصانع المؤسسة وحجم الاستثمارات وحجم العاملين فيها بنسب عالية، كما حدثت زيادة ملحوظة في تأسيس الشركات الأجنبية وحجم الاستثمار الأجنبي.
ونتيجة لذلك، تم تجاوز المعوقات والتحديات التنموية، وحافظت قطر على تصنيفها الائتماني في الدراسات التي أجرتها مؤسسات التصنيف العالمية لعام 2020، فقد أجمعت هذه المؤسسات على تثبيت تصنيف ائتماني مرتفع لدولة قطر مع تثبيت النظرة المستقبلية المستقرة لاقتصادها، ويشير ذلك إلى ثقة بمتانة الاقتصاد القطري وقدرته على استيعاب الأزمات الاقتصادية الكبيرة، بما في ذلك أزمة الجائحة الحالية، وصموده، وحتى تطوره، رغم الحصار.
رابعا – دور القطاع الخاص
حظي القطاع الخاص باهتمام كبير في الخطاب السامي، حيث أكد سموه على ضرورة الإسراع في تقليل الاعتماد على إيرادات النفط والغاز المتقلبة، بسبب تقلبات أسعارهما وانخفاض سقوفهما مع مرور الزمن، مشيرا إلى أن هذا لا يأتي إلا بتعزيز التنوع الاقتصادي والاتجاه نحو زيادة إنتاجية العمل ونجاعته في القطاع العام، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار، مع تنويع مصادر الدخل، اعتمادا على المجتمع والقطاعات الاقتصادية والخدمية التي يعمل فيها أفراده بالادخار والمبادرات الخاصة والاستثمار والانتقال من عقلية الاستهلاك إلى عقلية المجتمع المنتج.
خامسا – ربط الأجور والترقيات بالإنتاجية
وقد تناول سموه هذه القضية باهتمام عبر تأكيده بأن الوظيفة في قطاعات الدولة المختلفة ليست مجرد استحقاق، بل هي واجب ومسؤولية، منوها إلى أنه لا بد من ربط الأجر والترقية بالجدارة والإنتاجية، وتطبيق ذلك على جميع العاملين في الدولة بدون استثناء.
وأضح سموه في هذا الصدد أنه مثلما لا يحتمل أي مستثمر في القطاع الخاص أن يتلقى أفراد أجراً دون عمل ومردود حقيقي، لا يجوز أن نتوقع غير ذلك من الدولة.
سادسا – العرفان والوفاء
كان لافتا في الخطاب السامي الإشارة إلى قائدين كبيرين فقدهما الخليج والعالم، هما جلالة السلطان قابوس، باني عمان الحديثة، الذي ربطته بقطر علاقات من الأخوة والود المتبادلين، وصاحب السمو الشيخ صباح، الذي عمل بكل ما أوتي من قوة للتوفيق بين الدول العربية وإصلاح ذات البين في الخليج، مشيرا هنا إلى أن قطر لن تنسى مواقفه، وأن تستلهم دول مجلس التعاون من اعتدال الفقيدين وحكمتهما المواعظ والعبر الصحيحة لمستقبل العلاقات فيما بينها.
سابعا – السياسة الخارجية
أعاد صاحب السمو التأكيد على أن مكانة قطر الدولية تتعزز على الرغم من استمرار الحصار، بسبب تكثيف نشاطنا في القضايا التي تهم المجتمع الدولي مثل التغير المناخي ومكافحة الفقر ومحاربة الإرهاب وغيرها، وبسبب اتباع سياسات حكيمة ومسؤولة ومبدئية، والإسهام في حل العديد من النزاعات بالطرق السلمية عبر الحوار.
وفيما يتعلق بمنطقتنا، أكد سموه، حفظه الله، على موقف قطر الثابت من عدالة القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة لأشقائنا الفلسطينيين بما في ذلك إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية والحل العادل لقضية اللاجئين، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
ثامنا – انتخابات مجلس الشورى
أعلن صاحب السمو أن انتخابات مجلس الشورى سوف تجرى في شهر أكتوبر من العام القادم، بموجب الدستور الذي استفتي عليه في العام 2003 وصدر عام 2004.
وأوضح سموه، حفظه الله، أن الانتخابات ليست معيار الهوية الوطنية، فقد تبلورت هوية قطر عبر الزمان وتظهر في أبهى صورها في تضامن مجتمعنا وتماسكه، وقيمه الأخلاقية السمحة، وحبه لوطنه، كما ظهرت في تحدي الحصار.
وفي الواقع، فإن ما أشار إليه صاحب السمو، على هذا الصعيد، في غاية الأهمية، وهو يؤكد ما جُبل عليه أهل قطر من عادات وقيم وأخلاقيات، لا شك أنها ستبقى علامة مضيئة في مسيرة الأمم، كما جاء هذا الخطاب الشامل علامة مضيئة في تاريخنا الوطني، فهو حمل الأمل وكرس التفاؤل وجدد الثقة بأن قادم الأيام أفضل، بفضل تكاتفنا ووعينا وحرصنا على قيادتنا الرشيدة ووطننا المعطاء.
آخر نقطة..
خطاب سياسي وإنساني شامل، تطرق لجوانب مهمة من الحياة العامة والسياسات الداخلية والخارجية والمواقف الوطنية، وأكد على المشاركة الشعبية، وتطرق لجائحة كورونا وتميز نظامنا الصحي وتماسك القطاع الخاص، مؤكداً في الوقت نفسه على مواقف قطر من القضايا التي تهم المجتمع الدولي وحرصها على دعم الدول المحتاجة، وهو ما حدث في جائحة كورونا من خلال إرسال شحنات هائلة من المساعدات ودعم جهود تصنيع اللقاح وتوفيره بشكل عادل.
ومن هنا نؤكد ونجدد على ضرورة تضافر الجهود والعمل بجد واجتهاد، وهذا ما يضع المجتمع في دائرة المسؤولية الوطنية للنهوض بالبلاد ومواصلة العطاء والنمو، دون تهاون أو تراخٍ أو تقاعس.
copy short url   نسخ
04/11/2020
8376