+ A
A -
خالد وليد محمود
كاتب عربي
على أية حال، وأيّا كان الخلاف أو الاختلاف حول حقيقة الحياد أو عدم الانحياز، فإنه يبقى مفهوما له تبريراته كظاهرة من الظواهر السياسية لعالم كابد الحرب العالمية الثانية، رغم أن الدولة المحايدة كانت تهدف من موقفها تجنيب شعبها وأرضها مختلف الاحتمالات الناجمة عن الصراعات المسلحة إلا أن كثيرا من تلك الدول اكتشفت بأنها قد أصبحت مجرد «دمية» تحركها قوى أخرى في صراعاتها المتنوعة؛ فبادرت إلى إطلاق هذا المصطلح؛ لتحمي نفسها ومصالحها من شرور ذلك الصراع بين الكتلتين (الشرقية والغربية).
موضوعي هنا لا يتعلق بالحياد السياسي ومفهومه.. لأن السياسة لا تعرف حيادا مطلقا ولا انحيازا مطلقا.. وهي براجماتية لها اعتبارات تنطلق من المصالح الحيوية فقط.. وثمة دول قليلة وربما معدودة على أصابع اليد الواحدة استطاعت أن تتبنى موقفا لا يتغير من عدم الانحياز جعل منها قوى اقتصادية متميزة وملجأ لكل هارب من الأنظمة الديكتاتورية.
ما أريد قوله بهذه السطور هو الحياد الإنساني، أي الوقوف على مسافة واحدة من الأشخاص والأفكار والقضايا المصيرية ما لم يكن هناك دليل موضوعي يجعل الإنسان ينحاز لشخص أو لفكرة.
ثمة مقولة تنسب للإمام علي بن أبي طالب وهي: «الشخص المحايد، هو شخصٌ لم ينصر الباطل، ولكنه من المؤكد أنه خذل الحق».
ولست بصدد التأكد من صحة نسبتها للإمام أو ضعفها، ولكنّ السؤال: ما نسبة صدقها وواقعيتها في ما نراه جليا بين ظهرانينا وأمام أعيننا، ونحن نمر هذه الأيام في أزمات مصيرية وأخلاقية كبرى؟!
إنّ الوقوف – يا رعاكم الله- بالمنتصف بين الحق والباطل، الصدق والكذب، الظالم والمظلوم وبين الجلاد والضحية، هو حياد سلبي قذر، لا بل هو جناية واضحة واشتراك في الجريمة لا يغتفر. يقول المُناضِل الأميركي مارتن لوثر كينغ إن «أسوأ مكان في الجحيم مُخصَّص لأولئك الذين يقفون على الحِياد في المعارك الأخلاقية الكُبرى».
يبقى الحياد في أحايين كثيرة أخطر أنواع التدخل وأقل المواقف أخلاقية وأكثرها انتهازية وهو اللاموقف الذي يعني «السلبية القذرة» في أوقات الحسم بكل تجلياتها!
copy short url   نسخ
02/09/2020
2785