بقلم- باسم توفيق
من مزايا الفن أن تجد فناناً يطمح دائماً أن يكون مختلفاً ومجرباً وحقيقياً.. هذه المقولة الشهيرة لسير وليم وترهاوس أحد أيقونات الرسم الإنجليزي تلخص لنا جزءاً كبيراً من تاريخ الفن التشكيلي الإنجليزي، خصوصا في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين والتي كانت مختلفة تماماً في أغلب نزعاتها ومدارسها عن معظم أوروبا.
وكان ذلك لأمرين أولهما سيطرة مناهج لفظت بقايا عصر النهضة التي تغنت به أوروبا حتى قبيل القرن التاسع عشر ونهايات الروكوكو وأهم هذه المناهج كانت مدرسة البريرافيلتيس والتي هاجمت المنجزات التقنية في الفن التشكيلي في الرينيسانس ونادت بالعودة إلى ما قبل هذه الحقبة متمثلة في رافايل سانزو ومن ثم أصبح أسمهم ما قبل الرافيلية.
أما الأمر الثاني هو اختلاف الأهداف التي سعى لها الفن الإنجليزي عن نظيره في أوروبا عامة، فكان أكثر عملية واتجه إلى التصوير النوعي أي التصوير التاريخي والصحفي، بل والتوضيحي أيضاً، مما حدا بالفن الإنجليزي نحو إطار تميز به وكان نبعاً لمدارس كثيرة تلته، خصوصاً في الفن التشكيلي الأميركي الذي لم يكن إلا إحدى صور الفن التشكيلي الإنجليزي مضافاً عليه بعض قيم القارة الجديدة.
لذا كان هناك العديد من رواد الفن التشكيلي الإنجليزي برعوا في أن يمارسوا كل الألوان الفنية مع تقيدهم بالإطار الإنجليزي الذي قوامه العملية والوقار، ومن ثم اختلفت أعمالهم تقنية ومضموناً عن أعمال نظرائهم في معظم أوروبا ومن بين هؤلاء الذين انطبقت عليهم هذه السمات وأصبحوا يمثلون انعكاساً جلياً للفن التشكيلي الإنجليزي كان فناناً اليوم سير جيمس جثري والذي يعتبر بحق من أيقونات الفن الإنجليزي والاسكتلندي في هذه الفترة، أي النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.. فنجده بعيداً تماماً عن أخيلة الفن التشكيلي في أوروبا، حيث أثبت أن الفنان يستطيع أن يمارس تقنيات عدة في أعماله ويكون متفرداً ومميزاً في نفس الوقت فنجده يمارس أحياناً بعض الانطباعية ولكن ليس بغرض أن يكون انطباعياً لكن في جزء من اللوحة ليبرز شيئاً ربما لا يستطيع إبرازه إلا بتقنية الانطباعية مع عدم الإفراط، ويبدو هذا جلياً في لوحته الشهيرة حاصدة الكرنب والشهيرة بابنة هند، وتبدو في اللوحة الانطباعية العقلانية من عدة سمات أولها حركات الفرشاة التي أعتمدها الانطباعيون كجزء أساسي وضروري في مذهبهم، لكن جثري يعتمد ضربات الفرشاة بشكل أكثر اتساعاً من المعتاد، ثانياً الأجواء التي أحبها دائماً الانطباعيون حيث المشهد الخارجي والحقول والفلاحين والحصاد والأمر الثالث هو تلك التمازج اللوني وتقنيات تدرجه الفاتحة والمبهجة أحياناً كما استخدمه الانطباعيون، ويعتبر اختيار موضوعات جيمس جثري للمشاهد الريفية والطبيعية من أهم ما يميزه بين العديد من أبناء جيله في الفن الإنجليزي بل ويعود تميزه لاختيار موضوعات لم يطرقها من قبله فنانو إنجلترا وأسكتلندا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر لوحة فتاه ترعى الأوز والتي كانت من أكثر اللوح التي حاكها العديد من فناني الفترة اللاحقة عليه وتعتبر تقنية الإيهام في خامة التنفيذ التي استخدمها جثري تقنية ميزت أعمالاً كثيرة له فهو يبتكر في خلطاته اللونة ما يجعلنا نتوهم أن اللوحة من نوعية الأفرسكو والتي يستخدم فيها الرسام الألوان الخفيفة على الجص الطري حتى تتشرب الحوائط اللون ليصعب محوها بعد ذلك.
أما لوحته الشهير البائع المتجول فهي تعبر بوضوح عن إحدى موضوعات الرسم الإنجليزي المحببة وقبل أن نتحدث عنها علينا أن نذكر أن جيمس جثري كان من أهم مصوري الواقعية الجديدة في عصرة وأنه لم يكن يعتمد الواقعية الفرنسية المنتشرة آنذاك، إلا أنه كان متأثراً بأحد أساطين الواقعية الفرنسية الجديدة والذي لم يصل في شهرته إلى ما وصل إليه واقعيون كثيرون وهو الفنان الفرنسي جوليو باستين لوباج، وكان تأثير لوباج واضحاً جداً في أعمال جثري التي تبنت مشاهد الريف وبعض مشاهد الحياة اليومية بل إنهم أي جثري ولوباج يكادان يتطابقان في تقنية اللون وتوزيع الضوء والظل، بل وبعض حركات شخوص اللوحة مثل لوحة صانعة التبن للوباج والتي تتشابه كثيراً مع لوحات جثري التي تسير في المنطقة اللونية الخضراء بتدرجاتها، إذن في لوحة جثري الشهيرة البائع المتجول والتي تصور بائعاً متجولاً يسير قاطعاً الطريق التي تسير فيه سيدة وخلفها أحد رعاة الدواجن والتي تذكرنا بلوحته راعية الأوز ويمكن أن نقول أن لوحة راعية الأوز هي أحد تفصيلات لوحة البائع المتجول لكن في لوحة مستقلة.
يعتبر جيمس جثري من أهم فناني البورتريه في تاريخ الفن الإنجليزي، خاصة تاريخ الفن الأوروبي عامة، بحيث كانت بورتريهاته هي معظم إنتاجه الفني وربما كثرة أعماله التي تتبع فن البورتريه قد جعلته إلى حد كبير ليس مطروقاً من قبل النقاد بحكم أن المتعجل منهم قد صنفه على أنه فنان بورتريه تقليدي أي من بين هؤلاء الذين يتم استئجارهم ليقومون بعمل البورتريهات الرسمية لعلية القوم والشخصيات العامة، لكن في الحقيقة لم يكن جثري كذلك، بل كان من مطوري فن البورتريه بشكل يجعلنا نطلق عليه نواة مدرسة البورتريه في القرن العشرين، فنحن نجد فروقاً شاسعة بين البورتريه الكلاسيكي وبورتريهات جثري فهو يعد بالحركة الرمزية والتي تجعلنا نستشف شخصية الشخص المصور داخل البورتريه ونجد ذلك واضحاً في بورتريه أندرو بونار والذي يصوره جثري عاقداً يديه تحت صدرة وملتفتاً بوجهه ناحية اليسار في نباله واضحة ونظرة عملية ثاقبة، كما أننا لا ننكر هذه الابتسامة الحيوية والمعبرة التي صور بها جورج ماكلاشلان في البورتريه الشهير، فجمع بين أسلوبه الحديث ورصانة البورتريه الكلاسيكي في آن واحد وانطلاقاً من حرفية وتمكن جثري في فن البورتريه نقول إن هذه الحرفية أدت به لأن ينجز أحد أهم اللوحات الواقعية في عصره وهي لوحته الشهيرة والإعجازية (رجال الدولة في الحرب العالمية الأولى) والتي استغرقت منه ما يقرب من عشر سنوات من العمل الدؤوب وكانت كما أسلفنا أحد نتائج عبقريته في فن البورتريه بحيث كانت وكأنها مجموعة بورتريهات واقعية لأشخاص حقيقيين في وضعات مختلفة شكلت لوحة ضخمة لها معنى قوي ومغزى تستند لمشهد واقعي لا ينقصه الحواشي التي تشي بكلاسيكية ورمزية غاية في العقلانية وهذه اللوحة الضخمة التي نفذها جثري بالزيت على الكانفاس كانت بتكليف من السير أبراهام بايلي المفوض المالي لمستعمرة جنوب إفريقيا ويقال إن الهدف منها كان تذكارياً بحتاً لكن في الحقيقة الموضوع برمته مشكوك فيه فربما أراد أبراهام أن تكون رمزاً تحفيزياً لقوة إنجلترا ورجالها في هذه الحرب الضروس وتضم اللوحة أشخاصاً حقيقيين مثل جوزيف كوك وبيلي هيوز وغيرهم من قادة إنجلترا والمستعمرات وتبلغ مساحتها أربعة أمتار في ثلاثة أمتار وأربعين سنتي وهي كبيرة الحجم بالطبع وتتبع اللوحة في أسلوبها عامة مدرسة الواقعية الجديدة ولا يحرم جثري لوحته من بعض الرمزية»، فهؤلاء القادة المشاركون في الحدث معظمهم جالس على طاولة وبعضهم واقف ويبدو باباً كبيراً في خلفية اللوحة يفتح على تمثال ضخم لربة النصر المجنح لساموتراقيا اليونانية وهو تمثل قديم بدون رأس ويرمز للنصر ونسخته الأصلية محفوظة في متحف اللوفر بباريس ويلعب هنا جثري بالرمز ليبين أن النصر حليف هذه الجماعة التي تتخذ قرار الحرب.
ولد السير جيمس جثري في يونيو 1859 في إقليم جرينوك في أسكتلندا وكان والده جون جثري وزير اتحاد الكنائس الإنجليكانية وبما أنه من أسرة رفيعة العماد أرسله والدة لجامعة جلاسجو لدراسة القانون لكنه هوى الرسم ولم يحظ بدراسة منتظمه في الفن اللهم بعض الدروس الخاصة على يد جيمس درومند في جلاسجو ثم على يد جون بيتي في لندن وهذا الأخير كان قد زرع فيه بزور الواقعية الجديدة.
وبعد أن ذاع صيته بعد عدة لوحات منها حاصدة الكرنب أعطته أكاديمية الفنون الملكية الأسكتلندية عضويتها عام 1888 ولم تكن غير عضوية شرفية وبعد أن ذاع صيته أصبح عضواً عاملاً فيها من عام 1892 حتى عام 1902 حيث أنتخب رئيساً لها، حيث منح في نفس العام صليب القيادة من ملك بلجيكا وبين عام 1903 وحتى 1919 أقام معارض عديده معظمها في نادي الفن في جلاسجو.
في عام 1919 كلفه سير أبراهام بايلي رسمياً بلوحة رجال الدولة في الحرب العالمية الأولى والذي استطاع إنجازها قبيل وفاته بشهرين فقط عام 1930 وهي تضم 17 من قادة بريطانيا في أثناء الحرب العالمية الأولى وحيث تبرع بها لمتحف البورتريه الملكي بلندن، كما يضم متحف أستكتلندا الوطني العديد من أعماله ومن بينهم الاسكتشات التحضيرية للوحته العظيمة رجال الدولة في الحرب العالمية الأولى.
توفى جثري في منزله برودنبيرتنشاير عام 1930 مخلفاً تراثاً حقيقياً لمدرسة الفن الواقعي الإنجليزي والأسكتلندي.
من مزايا الفن أن تجد فناناً يطمح دائماً أن يكون مختلفاً ومجرباً وحقيقياً.. هذه المقولة الشهيرة لسير وليم وترهاوس أحد أيقونات الرسم الإنجليزي تلخص لنا جزءاً كبيراً من تاريخ الفن التشكيلي الإنجليزي، خصوصا في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين والتي كانت مختلفة تماماً في أغلب نزعاتها ومدارسها عن معظم أوروبا.
وكان ذلك لأمرين أولهما سيطرة مناهج لفظت بقايا عصر النهضة التي تغنت به أوروبا حتى قبيل القرن التاسع عشر ونهايات الروكوكو وأهم هذه المناهج كانت مدرسة البريرافيلتيس والتي هاجمت المنجزات التقنية في الفن التشكيلي في الرينيسانس ونادت بالعودة إلى ما قبل هذه الحقبة متمثلة في رافايل سانزو ومن ثم أصبح أسمهم ما قبل الرافيلية.
أما الأمر الثاني هو اختلاف الأهداف التي سعى لها الفن الإنجليزي عن نظيره في أوروبا عامة، فكان أكثر عملية واتجه إلى التصوير النوعي أي التصوير التاريخي والصحفي، بل والتوضيحي أيضاً، مما حدا بالفن الإنجليزي نحو إطار تميز به وكان نبعاً لمدارس كثيرة تلته، خصوصاً في الفن التشكيلي الأميركي الذي لم يكن إلا إحدى صور الفن التشكيلي الإنجليزي مضافاً عليه بعض قيم القارة الجديدة.
لذا كان هناك العديد من رواد الفن التشكيلي الإنجليزي برعوا في أن يمارسوا كل الألوان الفنية مع تقيدهم بالإطار الإنجليزي الذي قوامه العملية والوقار، ومن ثم اختلفت أعمالهم تقنية ومضموناً عن أعمال نظرائهم في معظم أوروبا ومن بين هؤلاء الذين انطبقت عليهم هذه السمات وأصبحوا يمثلون انعكاساً جلياً للفن التشكيلي الإنجليزي كان فناناً اليوم سير جيمس جثري والذي يعتبر بحق من أيقونات الفن الإنجليزي والاسكتلندي في هذه الفترة، أي النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.. فنجده بعيداً تماماً عن أخيلة الفن التشكيلي في أوروبا، حيث أثبت أن الفنان يستطيع أن يمارس تقنيات عدة في أعماله ويكون متفرداً ومميزاً في نفس الوقت فنجده يمارس أحياناً بعض الانطباعية ولكن ليس بغرض أن يكون انطباعياً لكن في جزء من اللوحة ليبرز شيئاً ربما لا يستطيع إبرازه إلا بتقنية الانطباعية مع عدم الإفراط، ويبدو هذا جلياً في لوحته الشهيرة حاصدة الكرنب والشهيرة بابنة هند، وتبدو في اللوحة الانطباعية العقلانية من عدة سمات أولها حركات الفرشاة التي أعتمدها الانطباعيون كجزء أساسي وضروري في مذهبهم، لكن جثري يعتمد ضربات الفرشاة بشكل أكثر اتساعاً من المعتاد، ثانياً الأجواء التي أحبها دائماً الانطباعيون حيث المشهد الخارجي والحقول والفلاحين والحصاد والأمر الثالث هو تلك التمازج اللوني وتقنيات تدرجه الفاتحة والمبهجة أحياناً كما استخدمه الانطباعيون، ويعتبر اختيار موضوعات جيمس جثري للمشاهد الريفية والطبيعية من أهم ما يميزه بين العديد من أبناء جيله في الفن الإنجليزي بل ويعود تميزه لاختيار موضوعات لم يطرقها من قبله فنانو إنجلترا وأسكتلندا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر لوحة فتاه ترعى الأوز والتي كانت من أكثر اللوح التي حاكها العديد من فناني الفترة اللاحقة عليه وتعتبر تقنية الإيهام في خامة التنفيذ التي استخدمها جثري تقنية ميزت أعمالاً كثيرة له فهو يبتكر في خلطاته اللونة ما يجعلنا نتوهم أن اللوحة من نوعية الأفرسكو والتي يستخدم فيها الرسام الألوان الخفيفة على الجص الطري حتى تتشرب الحوائط اللون ليصعب محوها بعد ذلك.
أما لوحته الشهير البائع المتجول فهي تعبر بوضوح عن إحدى موضوعات الرسم الإنجليزي المحببة وقبل أن نتحدث عنها علينا أن نذكر أن جيمس جثري كان من أهم مصوري الواقعية الجديدة في عصرة وأنه لم يكن يعتمد الواقعية الفرنسية المنتشرة آنذاك، إلا أنه كان متأثراً بأحد أساطين الواقعية الفرنسية الجديدة والذي لم يصل في شهرته إلى ما وصل إليه واقعيون كثيرون وهو الفنان الفرنسي جوليو باستين لوباج، وكان تأثير لوباج واضحاً جداً في أعمال جثري التي تبنت مشاهد الريف وبعض مشاهد الحياة اليومية بل إنهم أي جثري ولوباج يكادان يتطابقان في تقنية اللون وتوزيع الضوء والظل، بل وبعض حركات شخوص اللوحة مثل لوحة صانعة التبن للوباج والتي تتشابه كثيراً مع لوحات جثري التي تسير في المنطقة اللونية الخضراء بتدرجاتها، إذن في لوحة جثري الشهيرة البائع المتجول والتي تصور بائعاً متجولاً يسير قاطعاً الطريق التي تسير فيه سيدة وخلفها أحد رعاة الدواجن والتي تذكرنا بلوحته راعية الأوز ويمكن أن نقول أن لوحة راعية الأوز هي أحد تفصيلات لوحة البائع المتجول لكن في لوحة مستقلة.
يعتبر جيمس جثري من أهم فناني البورتريه في تاريخ الفن الإنجليزي، خاصة تاريخ الفن الأوروبي عامة، بحيث كانت بورتريهاته هي معظم إنتاجه الفني وربما كثرة أعماله التي تتبع فن البورتريه قد جعلته إلى حد كبير ليس مطروقاً من قبل النقاد بحكم أن المتعجل منهم قد صنفه على أنه فنان بورتريه تقليدي أي من بين هؤلاء الذين يتم استئجارهم ليقومون بعمل البورتريهات الرسمية لعلية القوم والشخصيات العامة، لكن في الحقيقة لم يكن جثري كذلك، بل كان من مطوري فن البورتريه بشكل يجعلنا نطلق عليه نواة مدرسة البورتريه في القرن العشرين، فنحن نجد فروقاً شاسعة بين البورتريه الكلاسيكي وبورتريهات جثري فهو يعد بالحركة الرمزية والتي تجعلنا نستشف شخصية الشخص المصور داخل البورتريه ونجد ذلك واضحاً في بورتريه أندرو بونار والذي يصوره جثري عاقداً يديه تحت صدرة وملتفتاً بوجهه ناحية اليسار في نباله واضحة ونظرة عملية ثاقبة، كما أننا لا ننكر هذه الابتسامة الحيوية والمعبرة التي صور بها جورج ماكلاشلان في البورتريه الشهير، فجمع بين أسلوبه الحديث ورصانة البورتريه الكلاسيكي في آن واحد وانطلاقاً من حرفية وتمكن جثري في فن البورتريه نقول إن هذه الحرفية أدت به لأن ينجز أحد أهم اللوحات الواقعية في عصره وهي لوحته الشهيرة والإعجازية (رجال الدولة في الحرب العالمية الأولى) والتي استغرقت منه ما يقرب من عشر سنوات من العمل الدؤوب وكانت كما أسلفنا أحد نتائج عبقريته في فن البورتريه بحيث كانت وكأنها مجموعة بورتريهات واقعية لأشخاص حقيقيين في وضعات مختلفة شكلت لوحة ضخمة لها معنى قوي ومغزى تستند لمشهد واقعي لا ينقصه الحواشي التي تشي بكلاسيكية ورمزية غاية في العقلانية وهذه اللوحة الضخمة التي نفذها جثري بالزيت على الكانفاس كانت بتكليف من السير أبراهام بايلي المفوض المالي لمستعمرة جنوب إفريقيا ويقال إن الهدف منها كان تذكارياً بحتاً لكن في الحقيقة الموضوع برمته مشكوك فيه فربما أراد أبراهام أن تكون رمزاً تحفيزياً لقوة إنجلترا ورجالها في هذه الحرب الضروس وتضم اللوحة أشخاصاً حقيقيين مثل جوزيف كوك وبيلي هيوز وغيرهم من قادة إنجلترا والمستعمرات وتبلغ مساحتها أربعة أمتار في ثلاثة أمتار وأربعين سنتي وهي كبيرة الحجم بالطبع وتتبع اللوحة في أسلوبها عامة مدرسة الواقعية الجديدة ولا يحرم جثري لوحته من بعض الرمزية»، فهؤلاء القادة المشاركون في الحدث معظمهم جالس على طاولة وبعضهم واقف ويبدو باباً كبيراً في خلفية اللوحة يفتح على تمثال ضخم لربة النصر المجنح لساموتراقيا اليونانية وهو تمثل قديم بدون رأس ويرمز للنصر ونسخته الأصلية محفوظة في متحف اللوفر بباريس ويلعب هنا جثري بالرمز ليبين أن النصر حليف هذه الجماعة التي تتخذ قرار الحرب.
ولد السير جيمس جثري في يونيو 1859 في إقليم جرينوك في أسكتلندا وكان والده جون جثري وزير اتحاد الكنائس الإنجليكانية وبما أنه من أسرة رفيعة العماد أرسله والدة لجامعة جلاسجو لدراسة القانون لكنه هوى الرسم ولم يحظ بدراسة منتظمه في الفن اللهم بعض الدروس الخاصة على يد جيمس درومند في جلاسجو ثم على يد جون بيتي في لندن وهذا الأخير كان قد زرع فيه بزور الواقعية الجديدة.
وبعد أن ذاع صيته بعد عدة لوحات منها حاصدة الكرنب أعطته أكاديمية الفنون الملكية الأسكتلندية عضويتها عام 1888 ولم تكن غير عضوية شرفية وبعد أن ذاع صيته أصبح عضواً عاملاً فيها من عام 1892 حتى عام 1902 حيث أنتخب رئيساً لها، حيث منح في نفس العام صليب القيادة من ملك بلجيكا وبين عام 1903 وحتى 1919 أقام معارض عديده معظمها في نادي الفن في جلاسجو.
في عام 1919 كلفه سير أبراهام بايلي رسمياً بلوحة رجال الدولة في الحرب العالمية الأولى والذي استطاع إنجازها قبيل وفاته بشهرين فقط عام 1930 وهي تضم 17 من قادة بريطانيا في أثناء الحرب العالمية الأولى وحيث تبرع بها لمتحف البورتريه الملكي بلندن، كما يضم متحف أستكتلندا الوطني العديد من أعماله ومن بينهم الاسكتشات التحضيرية للوحته العظيمة رجال الدولة في الحرب العالمية الأولى.
توفى جثري في منزله برودنبيرتنشاير عام 1930 مخلفاً تراثاً حقيقياً لمدرسة الفن الواقعي الإنجليزي والأسكتلندي.