+ A
A -
منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي وإعلان قيامه في مؤتمر قمة ابوظبي، في مايو 1981، اختيرت الرياض مقراً له، وطبيعة تعامل السعودية مع المنظمات المحتضنة من قِبلِها، يفرض على هذه المؤسسات الإقليمية أو الدولية أو العربية، إطاراً محدوداً للتحرك، حيث تحدد الرياض حركة الأمين العام وتصريحاته، ويربط دوماً بمواقف الخارجية السعودية، وهذا تكرر مع منظمة المؤتمر الإسلامي، التي فقدت الكثير من حضورها، بل حتى من رمزيتها المعنوية، ضمن تأطيرها تحت مدار الدبلوماسية السعودية.
وكان الضغط على الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي أشد، بحكم الروح القديمة لمنظور دول المجلس، في الفكرة القومية الاجتماعية لإقليم الحكم المركزي، وهو الجغرافية الاجتماعية لنجد، وزاوية الرؤية التي تصوّر بقية الأقاليم كأحياء تابعة لهذا العمق.
وليس هذا الأمر منوطاً، بطبيعة علاقتنا التاريخية المتداخلة بين ساحل الخليج العربي، وبين نجد، التي ظلت تابعة لحكم ونفوذ الساحل، لمئات السنين، ومجتمع نجد القبلي والحضري، من ذات النسيج الاجتماعي لأهل الساحل، لكن للساحل روح حضارية وتعدد وانفتاح اجتماعي أوسع بطبيعة الحال، من طرف الصحراء.
والمقصد هنا، هو أن العلاقة بين نجد وبين إقليم الخليج العربي، مترابطة تاريخيا، منسجمة اجتماعياً في أصلها الفطري، وهي كذلك اليوم في نسق الروح الأصلية، غير أن الحكم السعودي صنع عصبية استعلاء قومية خاصة، ودفع بها لتكون حاضرة في مؤسسات الدولة والتشكيلات المختلفة، بحيث تمارس على الأقاليم، التي دخلت تحت الحكم السعودي، وعلى بقية دول الخليج العربي.
وبالتالي كانت أبعد ما تكون عن سياسة الاحتواء الجماعي البروتوكولي في أوروبا، ونمط التكييف السياسي، مع بقاء الخطاب التفخيمي الذي يتبادله إعلام الدول الخليجية، في وصف مؤسسات الحكم وقياداتها، عند الحضور في المواسم السياسية والاجتماعات المختلفة، وخاصة في قمم المجلس، لكن التقدير السياسي للرياض، بقي ثابتاً في روح الفكرة والسلوك الاجتماعي، الذي يُنزّل على الميدان الإعلامي، وثقافة العمل الدبلوماسي.
ومع توترات الأزمة الخليجية، والتي أصلاً لم تُبق أي مساحة للاحترام، واستخدمت لغة الملاعنة في تويتر كمنظومة بديل عن أخلاق الدبلوماسية، فقد أضحى الضغط على الأمانة والأمين العام شرساً، هذا في مرحلة تولي السيد نايف الحجرف مؤخراً، أما خلال تولي اللواء الزياني مسؤولية الأمانة، فقد كان نطاق عمله وظيفياً مباشراً، لصالح الرياض وأبو ظبي ضد قطر، وبالتالي انتفت عنه أي صفة حيادية كمسؤول إقليمي لمنظمة أسستها عدة دول.
إنه من الصعب تماماً أن يُعتقد بان الأمين العام أ. نايف الحجرف، قادر على مواصلة مهمته، بناءً على التكييف الدبلوماسي الأساسي، لمهمة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، فهذا لم يحصل في ظروف سابقة، لم تشهد هذا التوتر الخطير والكارثي، فكيف بهذه المرحلة.
وهو ما يطرح سؤالاً آخر ماذا عن الكويت؟
ونجيب هنا بوضوح أن الكويت، لا يمكن أن تدخل في دائرة مواجهة مع الرياض، في ظل تمكن أبو ظبي داخل عمقها الاجتماعي الإعلامي والسياسي، وبسبب أن حماقات الرياض لا حدود لها، وهو ما يُهدد وجود الكويت المستقل بذاته.
وبالتالي كل ما يُمكن أن يقوم به السيد الحجرف، هو التخفيف من ضغوطات الرياض وأبو ظبي على مواقفه وخطاباته، بتهدئة اللغة التي يستخدمها، والامتناع عن بعض الممارسات التي لا تليق بالأمين العام للمجلس، لا أكثر من ذلك.
وهذه الأزمة التي استُخدمت فيها رابطة المجلس، لتمكين المشروع الخطير لدول الحصار، أثار سؤالاً متجدداً عن جدوى بقاء المجلس، أجبنا عنها سابقاً، وأشرنا إلى أن وجوده الرمزي، تحتاجه الرابطة القومية لشعوب الخليج، وخاصة بقاء الهوية العربية، والمنظومة الاجتماعية لشعوب الخليج التي أنهكها محور ابوظبي.
وإنما الحل في تجميد المجلس سياسيا واستراتيجيا، فكيف يجمد ومن يملك القرار؟
إن المقصد هنا هو أن المجلس الخليجي، اليوم، يحتاج أن يوضع في ذهن الدول المتضررة، من انحيازه، وفي وجدان الشعب العربي في الخليج، على وضعية هذا التجميد، وكأنه ضغطة تصميت (ميوت) لجهاز التحكم في التليفزيون، حتى تنجلي الأزمة، وينظر في مساحة التصحيح المتاح.
بقلم: مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
16/08/2020
2408