+ A
A -
خالد وليد محمود
كاتب عربي
يقول الفيلسوف والمفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي في نظريته الشهيرة «القابلية للاستعمار» إن الاستعمار لا يستطيع أن يحقق أهدافه في أي بلد عربي أو إسلامي أو من دول العالم الثالث، ما لم يكن هذا البلد أو شعوب هذه الدول مهيأة للاستعمار أو مستعدة للتعاون مع المستعمرين، وإنه طالما أن شعب أي بلد لديه الإرادة في المقاومة، وتتوفر في بيئته ومجتمعه الظروف والشروط المناسبة للمقاومة، فإن هذا البلد لا يمكن أن يخضع للمستعمر وإنه يستطيع النجاح في معركة الحرية والاستقلال والسيادة.
تذكرت هذه المقولة التي نحتها «مالك بن نبي» بعد العريضة الإلكترونية التي نشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي، ووقّع عليها أكثر من 47 ألف لبناني؛ يطالبون فيها بعودة الانتداب الفرنسي إلى البلاد للقضاء على الفساد وإقامة نظام حكم رشيد.. مما أثار جدلا واسعا بالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في أعقاب انفجار مرفأ بيروت.
ومما لا شك فيه أن هذه العريضة أعادت موضوع الاستقلال إلى واجهة النقاشات، وطرحت أسئلة ملحة، في لبنان وغيرها من الدول العربية، مثل هل نالت تلك الدول الاستقلال فعلا ؟ وهل عاشت استقلالا حقيقيا في العقود السابقة؟ كما فتحت ملفا شائكا بشأن ما يراه قطاع كبير في الشارع العربي بأن موجة استقلال بلدانهم التي بدأت قبل نحو سبع عشريات من السنين عن الاحتلال الأجنبي لم تسفر سوى عن استقلال شكلي، وأن ما حدث ببساطة هو استبدال «الاحتلال الأجنبي» بـ «احتلال محلي» تمثل في طبقة حاكمة تسيطر على مفاصل البلاد.
صحيح أن لبنان تحرر من الانتداب الفرنسي في 1943، واحتفل اللبنانيون هذا العام باستقلال بلدهم الـ 77، لكن للأسف ما نراه في الشارع اليوم هو مشهد لما بعد هذا الاستقلال المليء بحالات انتداب ووصايات بأشكال مختلفة. المشهد «البيروتي» - يا رعاكم الله - يحتاج اليوم إلى تحصين الحياة السياسية من التعصب الأيديولوجي والحزبي والطائفي والجهوي، فالمطالبة بعودة «الانتداب» - حتى وإن كان تعبيرا مجازيا عن الحنق وفقدان الأمل - إلا أنه سيديم الصراع الطويل بين إرادة الاستقلال والتحرر ومواجهة الفساد والفاسدين بكل تجلياته.
copy short url   نسخ
12/08/2020
2119