+ A
A -
إنَّ ظاهرة التقاعُد المبكِّر أصبحت مِنَ الظواهِر المُجتمعِيَّة المُتصاعِدة بِشَكلٍ مُقلِق، وبطبيعَة الحال فالموضُوع لهُ شِقان، الشِق الأوَّل يتمثَّل في استفادَة الشباب من فُرصَة التقاعُد المبكِّر في الاتجاه للأعمال الحُرَّة وتحقيق مكاسِب مادِّيَة من خِلال مشروع تجاري خاص سيُضِيف للمُجتَمَع قِيمَة اقتصادِيَّة حَقيقِيَّة، أو حتى مِقعَدًا شاغِرًا لِباحِثٍ جَديد عَن العَمَل، أما الشِق السلبي من الأمر فهُو يتعَلَّق بِهَدر الخِبرات والكفاءات التَخصُصِيَّة الوَطَنِيَّة الحَقِيقِيَّة واستِنزاف العُقُول البَشَرِيَّة في وَقتٍ مُبَكِّر جِدًا مع حاجَة المُجتَمع لهَذّهِ الطاقَات المَحَليَّة وزِيادَة البطالة المُقنَّعة، فالأمر يُنذِر بِخَطر كَبِير سيُهَدد الفرد والمجتمع، كما سيُهَدد عَمليَّة التَقطِير وذلك مَعَ ازدِياد خُروج الطاقات الإنتاجيَّة الوَطَنِيَّة، والاضطرار لتعيين بدائِل لهُم في سُوق العمل تحتاجُ التدريب والتأهيل والتوجيه من جديد.
توجد العديد من الأسباب التي تزيد من هذه الظاهرة، ولعَلَّ أبرزها اختيار البعض أن يبدأ مشروعه الشخصِي الحُرّ، وأحيانًا تكون طبيعة العمل الحكومي الصارِمة مدعاة للتفكير في الانتقال إلى عالم الأعمال الخارج عن بيروقراطيَّة الأعمال الحكومية بشكلٍ كبير، كما تلعب الظروف الشخصية دورًا في كثير من الأحيان تجعل من الموظف يضطر إلى التقاعُد، ويُمكن القول إنَّ الوفرة الاقتصاديَّة التي يتمتَّع بِها الموظف في سِن مبكرة أحد العوامل الدافعَة للتفكير بجديَّة في بدء رحلة العمل المستقِل. وفي الحقيقة أدعو الشباب إلى النظر في أهميَّة تأخير التقاعُد، وذلك على المستوى الفردي والوطني، فقطر الغد بحاجة إلى سواعد أبنائها الأوفياء، ورؤيَة قطر الوطنيَّة 2030 مبنية بشكل كبير على تضافُر جهود الموارد البشريَّة الوطنيَّة لتحقيق هذه الرؤية الفتيَّة المُخَطَطَة على أرض الواقع والميدان، فالأمر بحاجة إلى عدم استسلام لمنغصات أي وظيفة حكوميَّة بل التفكير بشكل مرِن وصحيح في طريقة لحل هذه الإشكاليات البسيطة مع رب العمل داخل المنظومة الواحدة أو البحث عن سقفٍ حكومي آخر ليُحَقِق فيه الفرد آماله وطموحاته الوظيفية والوطنية في ذات الوقت بالشكل المطلوب دون أن يضطره الأمر للخروج من سباق العمل الحكومي والهروب إلى عالم الأعمال.
قارئي العزيز، أحيانًا جهات العمل تكون بمثابة بيئات طاردة للموظف الجاد صاحِب الطموح المُتَقِدّ، فالكثير يلجأ للتقاعُد بسبب الظُلم الذي يشعُر بِهِ في بيئة عمله وإحباطِه من تِكرار تجارُبِه السَلبيَّة في بيئات عمَل مُماثِلَة تُعانِي ويلات الطُرُق غير المشروعَة في التميُّز الوظيفي مثل: المحسُوبيَّة والمزاجيَّة والتهميش والإقصاء والتزَلُّف والبلتَعَة، وأعتقد أنَّهُ مِنَ المهم للغاية توفِير مناخ عملي مُناسِب لكافَّة الموظفين في الدولة، مناخ يضمن للجميع حقَّة بعدالة تامَّة في الرواتِب والترقِيات والحوافَز والدورات المحليَّة والدوليَّة، فهذا المناخ الصحي هو البيئة النموذجية للنجاح والإبداع والتميُّز.
وأختتم بمقوله الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون، حيث قال: «ليس التاريخ إلا رواية الأحداث والأفعال التي قام بها الناس سعيًا وراء المطمح، ولولا هذا لظل الإنسان على بربريته، ولما كان له من المدنية نصيب. وإن انحطاط الأمة يبتدئ يوم لا يكون للأمة مطمح تحترمه بجملتها، فيجاهد كل فرد منها بنفسه في سبيل حمايته والذود عنه».
copy short url   نسخ
13/06/2020
2221