+ A
A -
من النادر إن لم يكن مستحيلا، أن تحتفل دولة أو شعب أو مجتمع
بذكرى سيئة في شكلها ومضمونها، أو موعد أسود في مخططاته
وممارساته، لكن نحن هنا في قطر ننظر إلى يوم الخامس
من يونيو على أنه من أيام العزة والكرامة والسيادة والاستقلال
الوطني.. رغم أنه في أحداثه كان يوم الغدر والخيانة من دول
الحصار التي لم تحترم الجيرة أو الروابط الدينية والاجتماعية،
وتآمرت مع الشيطان من قبل شهر رمضان، وبانت نواياها
العدائية، وظهرت أحقادها المخفية.
لماذا أو كيف تحول من يوم فرض فيه حصار جائر إلى يوم مميز
شعبياً ووطنياً ؟
لأنه وباختصار كان الهدف منه فرض الوصاية على قطر ومقدراتها
وقراراتها، وإذا به يكون سببا في التحرر الكامل من التبعية
والمجاملات التي أضرت وأخّرت تقدم الدولة في عدة مجالات،
وإن كان لابد منها في أوقات سابقة، فإنه الآن جاءت الفرصة
للتخلص من كل هذه الأعباء والترهلات لننطلق وفق مصالحنا..
وسياستنا.. وثوابتنا.
إضافة إلى ذلك تفجّرت الطاقات في الداخل وتحولت الأراضي
الجرداء إلى مصانع أغذية وأدوية، ومزارع منوعة، وشركات
متخصصة، حتى أصبحت البلاد تعيش حالة من الاكتفاء
الذاتي، إضافة إلى تعزيزات اقتصادية خارجية من دول تربطنا
بها صداقة حقيقية وليست وهمية أو واهية !
علاوة على ذلك أثبتت قطر مكانتها العالمية سياسياً، واستفادت
من ثقلها الدبلوماسي المبني على الصداقة والثقة والتعاون
الإيجابي والإنساني، فوقف العالم معها محترما سياساتها،
ومثمّنا علاقاتها، وواثقا من خطواتها.
وانعكس ذلك على زيادة وتفعيل الشراكة مع الدول والمنظمات
والهيئات الأممية، فأصبحت المكان المناسب لحل النزاعات
ومكافحة الإرهاب، والمفارقة المضحكة أن هذا التقدير العالمي
يتنافى مع التهمة التافهة التي بنت عليها دول الحصار مؤامرتها،
فباتت الدوحة محل إعجاب وسائل الإعلام الكبرى على تعاطيها
الحضاري مع الأزمة.
كل هذا يجعلنا نقول من حقنا أن نحتفل بما حققناه من
إنجازات، ولأن دول الحصار بتهورها، وقصر نظرها، أعطتنا
الفرصة لنسجل في شباكهم درزن أهداف..!
ومنحونا عبر مخططاتهم المريضة أن نكون بعافية أفضل،
وبمناعة أقوى.
تشكل قاعدة «ما بني على باطل فهو باطل » أساسا متينا في
الحديث عن حصار قطر، ومقتضى هذه القاعدة أنه إذا كانت
التصرفات الفعلية والقولية صحيحة، فإنها تنتج آثارها الشرعية
أو القانونية، أما إذا كان أساس تلك التصرفات قد شابه عيب أو
عدم مشروعية، كانت نتائجها باطلة ومنعدمة شرعا وقانونا،
وهو ما ينطبق على الأزمة الخليجية تحديدا، على اعتبار أنها
بدأت بجريمة، تمثلت في قرصنة وكالة الأنباء القطرية، ونشر
تصريحات مفبركة، نُسبت إلى حضرة صاحب السمو الشيخ
تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، على الموقع الإلكتروني
للوكالة والحسابات التابعة لها على مواقع التواصل الاجتماعي.
لا يمكن الحديث عن الأزمة الخليجية بعد ثلاث سنوات على
حصار قطر، دون البدء من لحظة قرصنة وكالة الأنباء القطرية،
فهي الجريمة التي أشعلت هذه الأزمة، وكل ما بُني على ذلك
لاحقا، باطل شرعا وقانونا.
عملية القرصنة كانت جزءاً واضحاً من المخطط الكامل
لوضع أساس أمام الرأي العام، تستند إليه الإجراءات العدائية
والاستفزازية ضد دولة قطر، لكن دولة قطر قاومت الضغوط
والتهديدات، ودافعت عن سيادتها واستقلالها، واستطاعت خلال
وقت وجيز أن تواجه تداعيات الحصار.
منذ ذلك التاريخ لم تتوقف الأكاذيب والافتراءات ومحاولات تشويه
سمعة قطر، كما لم تتوقف الضغوطات على دول أخرى من أجل
استجرار مواقف ضد قطر، باءت كلها بالفشل، بعد أن ظهرت
الحقائق للرأي العام، وبات أن كل إجراءات الحصار إنما بنيت
على باطل.
آخر تلك الافتراءات، الشائعات التي تم تداولها عن انسحاب
وشيك لقطر من مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهي
ليست بحاجة لأي نفي أو تكذيب من جانب قطر، إذ أن مشاركة
الدوحة في اللقاءات والاجتماعات الخليجية على كل المستويات
لم تنقطع ولم تتوقف، فإيمان قطر بالمصير الواحد لم يكن في أي
وقت محل شك أو جدل،
وفي هذا الإطار، شدّدت سعادة السيدة لولوة الخاطر مساعد وزير
الخارجية، المتحدث الرسمي باسم الوزارة، على أنّ «المعلومات
حول عزم قطر على مغادرة مجلس التعاون الخليجي خاطئة
تمامًا ولا أساس لها .»
واعتبرت أنّ «شائعاتٍ كهذه تأتي بلا شكّ من يأس وخيبة أمل
بعض الأشخاص إزاء مجلس تعاون خليجي ممزّق، كان في ما
مضى مصدر أمل وطموح لشعوب الدول الأعضاء الستّ .»
ثمة أوجه شبه بين وباءين واجهتهما قطر باقتدار ومسؤولية
ونجاح: فيروس الحصار وفيروس كورونا.
في مواجهة فيروس الحصار يمكن أن نتوقف أمام »3« ركائز
أساسية:
الأولى : التمسك بالسيادة..
لقد كان واضحاً منذ البداية أن الهدف من وراء الحملة الإعلامية
وقرار قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية وإغلاق الحدود
هو ممارسة الضغوط على دولة قطر لتتنازل عن قرارها
الوطني وسيادتها وسياستها المرتكزة أساساً على حماية
مصالح شعبها، لذلك كان تمسك قطر بسيادتها وقرارها
الحر المستقل أحد أبرز عوامل الصمود، وكان أحد العوامل
الأساسية أيضا في التفاف شعبنا حول قيادته، لإيمانه
العميق بأن التمسك بالسيادة هو في جوهره الأداة الأساسية
لحماية مصالحه ومكتسباته.
الثانية : مشاريع واكتفاء في كل مجال..
تحويل أزمة الحصار إلى فرصة لإطلاق دينامية اقتصادية
وتجارية واستثمارية جديدة جعلت من الدوحة وُرَشا مفتوحا
لتسريع وتيرة استكمال المشاريع التنموية القائمة، وفي مقدمتها
مشاريع كأس العالم 2022 ، وإطلاق مشاريع لدعم مسار التوسع
في التصنيع، خاصة في مجال الاكتفاء الذاتي، حيث تم افتتاح
أكثر من ثلاثة آلاف شركة، بمبادرة من القطاع الخاص وتحفيز
قوي من الدولة.
الثالثة : سياسة خارجية مسؤولة..
لم يمنع الحصار قطر من مواصلة سياستها الخارجية
المرتكزة على ترسيخ السلم والأمن الدوليين من خلال
تشجيع الحل السلمي للنزاعات الدولية، واحترام المعاهدات
والاتفاقيات الدولية، وتلك التي تعتبر طرفاً فيها، وتعزيز
التنمية المستدامة، وزيادة المساعدات الإنسانية في مناطق
الحروب والنزاعات ودعم وترسيخ جهود تقليص الاحتياجات
الإنسانية المتوقعة في الظروف الطارئة والمعقدة.
وكان لافتا للغاية الإنجاز الكبير الذي حققته بتوقيع اتفاق
إحلال السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الذي تم
بوساطة دولة قطر، وقد سمعنا جميعا ما عبر عنه الرئيس
الأميركي دونالد ترامب لصاحب السمو من عبارات الشكر
والثناء على دوره الثمين في تأمين الاتفاق بين الولايات
المتحدة وطالبان.
لم تثن أزمة الحصار قطر عن مواصلة دورها الكبير ومبادراتها
ومساعداتها الإنمائية والإنسانية، كما لم تتوقف عن مشاركتها
في أنشطة التعاون الدولي في المجالات التنموية والإنسانية،
وفي مجالات الدعم للهيئات العالمية والدول النامية والأقل نمواً،
وهي جهود هادفة لتفعيل الهدف الإنمائي الدولي السابع عشر
بشأن الشراكة الدولية من أجل التنمية، كمسؤولية جماعية
مشتركة، تتفاوت بحسب القدرات.
لم تسمح قطر لأزمة الحصار بالحد من وساطاتها الحميدة،
ولم تمنعها من تقديم المعونات والمساعدات، واستطاعت
عبر مبادرة «صلتك » المساعدة في توظيف أكثر من مليون
من الشباب العربي في مختلف المشاريع، ناهيك عن البرامج
الفرعية الأخرى، مثل صندوق قطر تونس للصداقة، وصندوق
دارفور بعد اتفاقية سلام الدوحة والتي تركز، بصفة أساسية
على تطوير وخلق الفرص للأجيال الشابة، لإقامة مشاريعهم
الخاصة التي تخلق بيئة إنتاجية لهم، والاتفاق مع الاتحاد
الإفريقي على إنشاء صندوق لإعادة المواطنين واللاجئين إلى
دولهم وتوفير فرص عمل لهم عن طريق تمويل بعض المشاريع
الصغيرة والمتوسطة في مدنهم.
ولم يتأثر هذا الدعم بظهور جائحة كورونا والتي أربكت العالم
أجمع وشلت حركته حيث بقي الدور القطري صامد في مد يد
العون لكل محتاج وتعامل مع هذا الظرف الطارىء وفق ثلاثة
مرتكزات أساسية:
الأولى : توفير الرعاية الصحية..
استطاعت قطر حشد كل الطاقات المتوفرة من أجل وقاية
وعلاج كل مواطن ومقيم، وفق أعلى المعايير العالمية، وبسبب
الاستجابة السريعة والرعاية الفائقة وعمليات الفحص الشاملة،
وكلها مجانية، فقد سجلت قطر أدنى معدل وفيات على مستوى
العالم.
الثانية : تخفيف الآثار الاقتصادية والاجتماعية..
وجه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير
البلاد المفدى، خلال ترؤس اجتماع اللجنة العليا لإدارة الأزمات
لمتابعة كافة التطورات والإجراءات الاحترازية لمكافحة انتشار
فيروس كورونا المستجد «كوفيد »19 ، بالشروع في حزمة من
القرارات والإجراءات، كان أبرزها:
{ تقديم محفزات مالية واقتصادية بمبلغ »75« مليار ريال قطري
للقطاع الخاص.
{ قيام المصرف المركزي بوضع الآلية المناسبة لتشجيع
البنوك على تأجيل أقساط القروض والتزامات القطاع الخاص مع
فترة سماح لمدة ستة أشهر.
{ توجيه بنك قطر للتنمية بتأجيل الأقساط لجميع المقترضين.
{ توجيه الصناديق الحكومية لزيادة استثماراتها في البورصة
بمبلغ »10« مليارات ريال قطري.
{ قيام المصرف المركزي بتوفير سيولة إضافية للبنوك العاملة
بالدولة.
{ إعفاء السلع الغذائية والطبية من الرسوم الجمركية، على أن
ينعكس ذلك على سعر البيع للمستهلك.
{ إعفاء عدة قطاعات من رسوم الكهرباء والماء.
الثالثة : الوفاء بدور قطر الدولي..
في جائحة كورونا تبدّى موقف قطر الإنساني العالمي عبر حزم
المساعدات الطبية العاجلة للكثير من دول العالم، كما تبدّى
في قيام الخطوط الجوية القطرية بنقل أعداد هائلة من الذين
تقطعت بهم السبل حول العالم، وقد حظيت بإشادات عالمية
واسعة من جانب قادة ومنظمات ثمنوا عاليا هذه الجهود الكبيرة.
وقبل أيام قليلة، تلقى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن
حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، رسالة من السيد أنطونيو
غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، أعرب فيها عن تقديره
العميق لدعم دولة قطر للأمم المتحدة خلال جائحة كورونا، وذلك
من خلال إنشاء جسر جوي من الدوحة إلى كابول، كما عبر عن
امتنانه لسمو الأمير على تسهيل إعادة نشر بعض موظفي الأمم
المتحدة في الجمهورية اليمنية.
وأشاد سعادة الأمين العام للأمم المتحدة بالدعم الذي قدمته دولة
قطر، حيث قال إن «الدعم المثالي الذي قدمته قطر للأمم المتحدة
يظهر المسؤولية والتضامن اللذين تشتد الحاجة إليهما لمواجهة
تحديات كوفيد .»19
وستشهد هذه الشراكة عمل مفوضية اللاجئين بشكل وثيق مع
الخطوط الجوية القطرية للاستفادة من شبكة وجهاتها العالمية
الكبيرة، عبر مقرّ عملياتها مطار حمد الدولي في الدوحة.
وبفضل إمكانية الاستعانة بأسطول طائرات «القطرية » الذي
يضم أكثر من 200 طائرة، ستتمكن المفوضية السامية للأمم
المتحدة لشؤون اللاجئين من تقديم شتى أنواع الدعم الذي
من شأنه إنقاذ الأرواح عالمياً، بما في ذلك توفير المياه والرعاية
الطبية وأدوات التعقيم، بهدف المحافظة على سلامة اللاجئين
والنازحين وأفراد المجتمعات المضيفة لهم في مختلف أنحاء
العالم.
لقد عملت الخطوط الجوية القطرية خلال هذه الأزمة عن كثب
مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية لمنح الأولوية لنقل
المساعدات الطبية والإغاثية، حيث تم نقل أكثر من »175« ألف
طن منها، بما يعادل سعة »1750« طائرة شحن جوي من طراز
بوينغ »777« محملة بالكامل.
هذه قطر بين فيروسي الحصار وكورونا، بناء في الداخل وعطاء
في الخارج، لم يثنها الحصار، ولم يقف الوباء حائلا دون مواصلة
دورها لصالح رفاهية شعبنا وكل الشعوب التواقة للأمن والسلام
والاستقرار.
آخر نقطة..
عندما نتذكر هذا اليوم بمشاعر العزة والكرامة،
فلأنه يمثّل لنا نقطة انطلاق، في الوقت الذي أرادوا
فيه أن تكون لحظة انهيار.. لكن قطر وأهلها معروف
عنهم أنهم «مطوعين الصعايب » ويحولون الأزمات
إلى إنجازات..
وقد قالها صاحب السمو حفظه الله ورعاه:
«ربّ ضارة نافعة ».. و «أبشروا بالعز والخير ..»
وقد تحقق ذلك.. على أرض الواقع.
copy short url   نسخ
05/06/2020
10405