بدأنا شهر أبريل منذ بضعة أيام ولا يزال فيروس كورونا «كوفيد -19» وتداعياته هو الحدث الأبرز المسيطر على الساحة العالمية، ويبدو أن الوضع سيظل على نفس الوتيرة لفترة من الوقت، الفيروس وإن كان لا يفرق بين البشر ولا يعترف بالحدود، فالجميع أمامه سواسية ومستهدفون، وفي نفس الوقت وصفة تجنب الإصابة به وسبل التعافي منه لو حدثت، لا تزال واحدة، حتى يتم اكتشاف اللقاح والدواء اللازم لعلاجه والوقاية منه، ولكن هناك معضلة مفادها عدم مقدرة الجميع على تنفيذ روشتة الوقاية أو التداوي بنفس الدرجة من الكفاءة والاحترافية وهذا ليس على مستوى الحكومات فحسب، بل على المستوى الفردي أيضًا، ربما يكون الفيروس له صفات واحدة وينتمي لسلالة كورونا ولكن ليست كل الدول التي تعاني من جائحته لديها نفس المقدرة لمجابهته وتنتمي لعوالم متعددة الدرجات والإمكانيات والموارد على سطح كوكبنا المتناحر والمتخاصم والمنقسم على نفسه، ورأينا تصرف البعض بحكمة وأولوية إدارة الأزمات والبعض الآخر بنقمة ومكاسب المتاجرة بها والاستفادة من وقوعها اقتصاديًا وسياسيًا.
بعض من حكوماتنا العربية الرشيدة لا يدرك القائمون عليها الفارق بين كون البسطاء والفقراء لا يريدون الالتزام بالحجر المنزلي الطوعي وتنفيذ الإجراءات الاحترازية وعدم الخروج إلا للضرورة للحد من انتشار الفيروس، وبين أنهم لا يستطيعون تنفيذ توصيات منظمة الصحة العالمية ومن ثم الحكومات للانصياع لها وتطبيقها ليحموا أنفسهم وغيرهم، وحتى لو وصلنا لحالة الإجبار على هذا أكاد أجزم أنهم لن يلتزموا ليس لعدم خوفهم من الإصابة بفيروس كورونا ولكن لأن البديل هو الموت بفيروس الفقر المكتسي بالقهر الممزوج بالجوع، وما دفعني للكتابة عن تلك النقطة تحديدًا هو بدء بعض المسؤولين في دول بعينها للعزف الاستباقي على نغمة أن الحكومة تبذل كل ما في وسعها ولم تبخل بشيء من إمكانياتها ولو زادت رقعة انتشار الفيروس والمصابين به وارتفعت نسبة الوفيات، فالشعب وحده هو المخطئ لأنه لم يلتزم بالتعليمات ولا أجد أبلغ من الحكمة القائلة «إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع»، فبعض تلك الحكومات تطلب من البسطاء والفقراء البقاء في منازلهم دون طرح البديل الذي يغطي احتياجاتهم الأساسية للعيش على الكفاف بما يسد رمقهم ويضمن نجاتهم بما فوق الجوع وتحت الشبع ولا أدري كيف يستقيم هذا مع ذاك؟ في عام 2017 ونتيجة تعاون استمر ثلاث سنوات بين المجلس الوزاري للشؤون الاجتماعية في جامعة الدول العربية ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ومبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية صدر تقرير يحمل عنوان التقرير العربي حول الفقر المتعدد الأبعاد، وعبارة المتعدد الأبعاد تعني الكثير وتظهر ما نحن بصدده الآن مع توقعات بأننا في المنطقة العربية على مشارف مرحلة الذروة في انتشار الفيروس وهو ما سيمثل اختبارا حقيقيا وفي منتهى الجدية للقطاع الصحي بشكل خاص والخدمي بشكل عام، فهي تشير إلى ثلاثية التعليم والصحة ومستوى المعيشة، وخلص التقرير الذي اعتمد على نتائج مسح جرت في عشر دول عربية تضم قرابة الـ 290 مليون نسمة، أي حوالي ثلاثة أرباع سكان الدول العربية وقتها ورصد أن 40.6 % من الأسر العربية تصنف فقيرة ومن بينها 13.4 % تعاني من فقر مدقع، وتوقع التقرير بالإضافة للنسب السابقة أن هناك 25 % من سكان المنطقة العربية مرشحون للوقوع تحت خط الفقر.
بقلم: جمال الهواري