+ A
A -
ليست مهمة هذا المقال الدخول في تفاصيل وتوجهات الأحزاب التونسية، في تشكيل الحكومة الجديدة، بعد الانتخابات البرلمانية، وإنما محاولة فهم موقف الشيخ راشد الغنوشي رئيس البرلمان وحركة النهضة التونسية، وتوجهه الأخير، في ظل المرحلة الصعبة التي تمر بها تونس، ومن خلال زاوية النظر الأكبر لواقع الوطن العربي، ودور الثورة المضادة المستمر.
وربما تتوجه القراءة الأولى لسياسة الغنوشي، إلى الاستغراب الاستنكاري في إصراره على شراكة قلب تونس، في ظل الحملة الشرسة عليه، والتي تركز على شخصه وحركة النهضة، وهناك ما يمكن أن يطرح كسجال فكري سياسي، في مساحة الصعود الجديد لأجيال النهضة، ومرونة التقدم إلى الزمن الجديد بعد الثورة وأسئلة المساحة الديمقراطية، داخل حركة النهضة.
وهو ملف يفتح معه توازنات الحركة، وتقييم نجاحها منذ قرار فصل الدعوي عن السياسي، وهل استطاعت أن تبني جهازاً تربوياً، بعقل جديد وأخلاقية تعامل وطني لا حزبي، تحافظ به على مكتسبات القيم والأخلاق الإسلامية التي يحتاجها المجتمع العربي اليوم، وأجيال شبابه.
وفي ذات الوقت تتقدم حركتها السياسية، إلى حيّز العمل الوطني وتحدياته الصراعية الشرسة، بجهوزية أكبر، وهي أسئلة كبرى لا يمكن أن تسقط اليوم، خاصة في ظل أنباء الاستقالات من الحركة، وقد يكون من الطبيعي أن تستقل الوجوه المختلفة في أي حركة سياسية، ولكن الإشكال في مسببات هذه الاستقالات، وعلاقتها بالمساحة المتاحة لها في النقد الداخلي وفي الانتخابات الداخلية.
وكل ذلك لا يغيّر من حقيقة مهمة، وهي أن النهضة التونسية اليوم، بزعيمها الشيخ راشد الغنوشي تشكل قاعدة صلبة للحياة السياسية في تونس بعد الثورة، وبالذات طريقة إدارة الشيخ راشد الغنوشي، الذي سيبقى مكانه المعنوي ورأيه المعتني به، حتى لو استقال من رئاسة الحركة، في مؤتمرها العام القادم.
ولا يمكن تقدير مواقف راشد الغنوشي، وإبحاره السياسي الصعب لاستقرار تونس ما بعد الثورة دون مراجعة المشهد العربي المتعلق بتونس جيداً، والبعد الدولي المراقب لها، فرغم عبور تونس من منعطفات صعبة، شكلت مواقف الغنوشي ودبلوماسيته الداخلية، دوراً مركزياً فيها.
إلّا أن تونس تعاني من ثنائية خطيرة، وهي أولوية الصراع عند بعض أحزابها وأفكارها، وخاصة مع حركة النهضة كحزب ذي خلفية إسلامية، الذي تواجهه تركة بن علي وقواعد يسارية راديكالية، ترى إسقاط النهضة مقدم على استقرار تونس والتجربة الثورية ذاتها.
هذا التوجه الخطير يشير إلى هشاشة الساحة، ويفسّر قوة إعلام الثورة المضادة داخل تونس التي لها معركتها الممتدة أيضاً، وفي ظل هذا الصراع وهذا التفويج الداخلي الذي يقدم أيدلوجيتة أو موقف داعميه على انتقال تونس، لمرحلة الاستقرار الاقتصادي، تعيش البلاد تحت ضغط متطلبات المعيشة وحاجة الفرد لفرص الحياة المستقرة، والبدء بدفع عجلة النهوض الاقتصادية الذاتية، حتى تتقلص مساحة نفوذ الثورة المضادة، ليبقى أمنه الاستراتيجي وحرية صوت الشعب، في تحديد ممثليه رئيسا وبرلماناً.
وهنا نفهم إصرار الغنوشي على أن تشمل الحكومة توازناً اقتصادياً، بعضه ينتمي إلى الدولة العميقة، لتخرج من التجاذبات المرشحة للقفز في أي دورة تصعيد، والتي قد تحتج بوجود النهضة في تشكيلة الحكومة لإسقاطها، وزج الوطن التونسي في دورة صراع تهيئ إلى عودة مخاطر كبرى، في ظل الانهيار السياسي المستمر في أنحاء الوطن العربي.
ومن الواضح أن الغنوشي لا يراهن على حصة لصالح النهضة، قد تنقض حكومتها من أطراف سياسية تندمج في الحكومة ابتداءً، ثم تعود دعوات الإسقاط مجدداً، بقدر ما يسعى عقله الاستراتيجي لدفع تونس في مرحلة بناء جديدة، تتجاوز فيها الصراع في الأرض الهشة، ويستشعر المواطن آثار الاستقرار السياسي.
ومن المفترض أن تكون هذه الاستراتيجية مشتركة مع الرئيس قيس سعيد، فهذه المرحلة مع وجوده بتفويض شعبي انتخابي، تمثل ضرورة كبرى لتونس تتقلص فيها بقية الخلافات مع الغنوشي، ومساحة الاتفاق بين سعيد والغنوشي لأجل تونس، أكبر بكثير من المساحة مع الراحل الباجي السبسي.
بقلم: مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
16/02/2020
3054