لا يستطيع العدو، قبل الصديق، إنكار أنّ حسن نصر الله كان شخصاً استثنائياً في بيئته وحزبه، وفي محوره بالكامل. امتلك ما يجب أن يمتلكه القادة الكبار من كاريزما، وقدرةٍ على طمأنة بيئته في أقصى مراحل الخطر الذي مرّت به منذ عقود طويلة، وقاد حزب الله 32 عاماً.
سيكون لموت نصر الله أثر مفجع في بيئته، لا سيّما أنّه موتٌ يأتي في سياق حرب مدمّرة تخوضها إسرائيل، تستهدف بدرجة كبيرة مساحة الفعالية التي امتلكها الحزب في مدار السنوات الماضية. لن تكون التداعيات على مستوى الحزب أقلّ، ليس بالنظر لرمزية حسن نصر الله (على أهميتها) وحسب، بل لمركزية دوره في تشكيل الحزب وتصميم هياكله التنظيمية والعسكرية، وترتيب أوضاعه الداخلية وعلاقاته الخارجية، وكذلك تحديد توجّهاته السياسية والعسكرية الداخلية والإقليمية.
تختلف ظروف الحزب عن الظروف التي قُتِل فيها الأمين العام السابق عبّاس الموسوي عام 1992، ذلك أنّ الحزب توسّع بشكل أكبر على مستوى البنية والدور والمكانة، كذلك كان لحسن نصر الله بصماته في مسار الحزب.
سيجد حزب الله نفسه، في سياق الأوضاع الراهنة، أمام جملة من التحدّيات سواء على مستوى إدارة الحرب الحالية غير المسبوقة التي تشنّها عليه إسرائيل، وهذه نقطة مفصلية ينبغي على الحزب إيجاد حلٍّ مناسبٍ لها، في ظلّ هذا الوضع الضاغط على الحزب، بالإضافة إلى طَمأَنَة بيئته الحاضنة التي تتعرّض للتهجير والتدمير من الجنوب إلى البقاع فالضاحية، فمن المُرجَّح أن تستثمر إسرائيل الظروف الراهنة لزيادة الضغط على الحزب لاعتقاد قادتها أنّهم أمام فرصة ذهبية لتفكيك حزب الله، وللتخلّص من مخاطره إلى الأبد.
بعد موت نصر الله تتغير ربمّا أولويات الحزب، وستتّجه أفضلياته إلى التركيز في البيت الداخلي وتقليل الأضرار ما أمكن، إذ ستدرك القيادة الجديدة للحزب أنّ بقاء الحزب واستمراره باتا أولويةَ الأولويات، ربّما على حساب الأهداف البعيدة المدى، وهذا يتطلّب استيعابَ الصدمةِ عبر التأثير في التفاعلات السلبية التي سيخلّفها قتل الأمين العام للحزب، وهذا سيستدعي مناخاً مختلفاً يستطيع الحزب من خلاله الخروج من حالة الفوضى، التي أصبح عليها الحزب جرّاء الضربات المتواترة التي تلقّاها في مدار أيّام.
يتمثّل التحدّي الآخر في مدى قدرة من سيخلف حسن نصر الله في إدارة الأوضاع في هذه الظروف المُعقَّدة، التي زادها مقتل نصر الله تعقيداً، في ظلّ الحديث عن وجود توتّرات داخل الحزب بسبب دوره وأولوياته في هذه المرحلة، وفي المرحلة المقبلة.{العربي الجديد