لا يمكن أن يمر اللقاء الذي جمع الإعلامية علا الفارس بسعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني في برنامج «الجانب الآخر» دون أن يحدث أثراً، فهو بلا شك لحظة فارقة في عالم الإعلام، حيث تسلّط الضوء على شخصية استثنائية تجمع بين الرصانة والتواضع، ورغم أن الحلقة لم تتجاوز الساعة، إلا أن الحوار انفتح على عمق التجربة القطرية، وكشف عن رؤى ملهمة تتعلق بالمستقبل، حيث تدفقت الكلمات بسلاسة، محملة بمعانٍ عميقة. فلم أستطع تجاوز هذا اللقاء دون أن أخط فيه بعض الكلمات التي لا تعبر فقط عن رأيي الشخصي وإنما عن شعور ورأي كل قطري شاهد البرنامج وتمعن في الرسائل العميقة المباشرة وغير المباشرة التي تعكس المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي في قطر.
ما أضفى طابعاً خاصاً على هذا اللقاء كشفه لجوانب خفية من شخصية سعادة الشيخة المياسة، فهي ليست مجرد فرد من أفراد العائلة الحاكمة، بل ظهرت كابنة قطر البارة ببساطتها وصدقها، إذ عبرت عن أفكارها بانسيابية تنم عن وضوح الرؤية والثقة في الذات، وما زاد من ترسيخ هذه الصورة ظهورها الأنيق والكلاسيكي وكلماتها المختارة بعناية، حتى إنها عكست بكل وضوح صورة السيدة القطرية بمختلف أعمارها وأفكارها وفئاتها.
هذا اللقاء جعلني أدرك أن سعادة الشيخة المياسة ليست فقط قائدة محلية أو عالمية، بل هي شخصية فذة تجمع بين شموخ القيادة وعمق الإنسانية، وهي رمز حيّ للقيم القطرية التي تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، فمع كل كلمة وردت يزداد يقيني أنها تمتلك شموخ الملوك وتواضع الحكماء ولا أجد لها تشبيهاً أصدق من السنبلة «ملأى السنابل تنحني تواضعا»، وكيف لا تكون كذلك وهي التي نشأت في عائلة جمعت بين القيادة والثقافة، بين الحنكة والقوة، ما جعلها شخصية متفردة. ورغم اعتزازها كقائدة، يتميز حديث سعادة الشيخة المياسة بالتواضع، فهي لا تتحدث من منطلق النفوذ، بل من قلب مثقفة متواضعة، تنبع قدرتها على التواصل الفعّال من إحساسها العميق بمسؤوليتها تجاه المجتمع، وكأنها تمثل كل فرد قطري، فهي تجمع بين الأصالة والتحديث، وبين القيادة والإنسانية.
خلال حديثها، رددت سعادتها كلمة «المقياس قطر»، وهي عبارة تلخص العديد من المعاني وتكشف جوهر فكرها وعمق شغفها وقوة ارتباطها ببلدها، وإيمانها بأن التقدم لا يمكن أن يتحقق إلا بالتزام راسخ بقيم الوطن، كما تعكس هذه الكلمة الروح القطرية الأصيلة، وتمثل قيم التقدم والازدهار، فكل خطوة تخطوها وكل قرار تتخذه يُقاس بمدى تأثيره على قطر وشعبها، وهو ما يبرز وعيها العميق بمسؤوليتها كقائدة. هذه المسؤولية ليست جديدة عليها فلطالما كانت منذ بداية مشوارها السياسي نموذجاً حيّاً يجمع بين الاعتزاز بالأصالة والانفتاح على العالم بفضل قدرتها على الموازنة بين هويتها القطرية وفكرها العالمي، وهو ما ساعدها على النجاح في تعزيز الهوية القطرية والعربية على الساحة العالمية من خلال الفن والثقافة، حيث أبهرت العالم بتقديم الهوية التراثية بشكل عصري وأثبتت أن المرأة القطرية يمكنها أن تصل إلى مكانة مرموقة عالمياً، دون التخلي عن جذورها الراسخة.
لطالما كانت سعادة الشيخة المياسة أيقونة للفن والإبداع، فتحت إشرافها وقيادتها، تحولت متاحف قطر إلى منصات عالمية تربط بين الحضارات، مثل لوحة فنية تتداخل فيها الألوان لترسم صورة تجمع بين الماضي والحاضر وجسرا بين الثقافات، وهو ما جعلها تكسب عن جدارة مكانتها الثقافية على المستوى العالمي، لتصبح واحدة من أبرز النساء في مجال الفن. نجحت في قيادة بلدها نحو الريادة في هذا المجال، وإلى جانب دورها الثقافي، برزت سعادتها أيضاً كشخصية مؤثرة في العمل الإنساني والخيري، وأثبتت أن القيادة ليست مجرد منصب، بل مسؤولية تجاه المجتمع، وأن المرأة القطرية قادرة على التوفيق بين أدوارها العائلية والعامة دون أن تفقد قيمها أو إنسانيتها.