ما إن صوت البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي حتى ضرب الذعر والهلع العالم، وكان أكثر المصدومين والمصابين بالهلع هم زعماء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرون وبالأخص الخمسة المؤسسين فرنسا وهولندا وإيطاليا وبلجيكا ولوكسمبورج الذين اجتمعوا في برلين يوم السبت الماضي ليبحثوا عن مخرج لهذه الأزمة وليحاولوا أن يستوعبوا حجم الكارثة ويمهدوا للاجتماع الطارئ لزعماء دول الاتحاد جميعا نهاية الشهر الجاري.
لاشك أن الاتحاد الأوروبي مثل نموذجا ناجحا بكل المعايير لدول مختلفة خاضت فيما بينها حروبا ضارية على مدار التاريخ كما أنها مختلفة في اللغات والعادات والتقاليد والمساحات الجغرافية، وكذلك المذاهب المسيحية، فبريطانيا تتبع الكنيسة الأنجليكانية واليونان وقبرص وبلغاريا ومعظم شرق أوروبا تمثل الكنيسة الأرثوذكسية كما يعيش البروتوستانت في شمال القارة وباقي الدول تقريبا تمثل الكنيسة الكاثوليكية إلا أن دول الاتحاد جميعا دول مسيحية، ويشكل المسيحيون فيها أكبر تكتل مسيحي في العالم حيث يزيدون في حالة ضم روسيا لهم على 565 مليون نسمة، وقد شهدت الكنيسة صراعات كبيرة على مدار القرون الأولى حتى جاء عصر النهضة والإصلاح الذي قاده مارتن لوثر في القرن السادس عشر الميلادي حيث وضع في عام 1517 قائمة بالإصلاحات وانتقد الفساد في الكنيسة الكاثوليكية وما يسمى بصكوك الغفران وشراء المناصب داخل الكنيسة، وقد زلزل مارتن لوثر الكنيسة الكاثوليكية بدعوته الإصلاحية التي أفرزت المذهب البروتوستانتي الذي ينتشر الآن في دول شمال القارة الأوروبية، وفي نفس القترة وتحديدا في عام 1534 أعلن الملك هنري الثامن ملك بريطانيا انفصاله عن الكنيسة الكاثوليكية بعدما رفض البابا منحه حق طلاق زوجته ليتزوج بأخرى وأنشأ كنيسته الخاصة التي بقيت إلى الآن وهي الكنيسية الأنجليكانية التي يرأسها ملك أو ملكة بريطانيا، غير أن الحروب اندلعت بعد ذلك في أنحاء متفرقة من أوروبا بين الكاثوليك والبروتوستانت وكنيسة بريطانيا الجديدة، لكن هذه الانقسامات والحروب لعبت دورا في قيام عصر النهضة والتنوير في أوروبا بعد ذلك بعد إضعاف هيمنة الكنيسة على حياة الناس والتي ابتدعها ملوك الرومان بعد دخولهم المسيحية، حيث استخدموا الكنيسة للهيمنة على حياة الناس من خلال الرهبان وصكوك الغفران، ورغم أن دساتير بعض الدول الأوروبية تشير إلى أنها دول علمانية إلا أن كثيرا من الدول حتى التي تنص على أن علمانية الدولة تتخذ المسيحية مرجعا أساسيا لها وتمتلئ دساتيرها بعبارات دينية مسيحية، كما أن الكنيسة تلعب دورا أساسيا في توجيه السياسة وصناعتها لاسيما في روسيا وأوروبا الشرقية كما أن أصغر دولة وأكثرها تأثيرا في القرار الدولي هي الفاتيكان، لذلك فإن أوروبا المسيحية تنادت اليوم من أجل الحفاظ علي وحدة كنائسها وليس فقط دولها.

بقلم : أحمد منصور