+ A
A -
بقلم
د.سعاد درير
كاتبة مغربية
شوارع الدنيا ضيقة، بل هي تَكاد تكون أحيانا أَضْيَق من أنفاسك تلك التي تجعلك تشعر باستمرار أنك تتنفس من ثقب إبرة، إنها الإبرة التي تَستكثر عليك أن تَلتقط نصيبك من الهواء..
بين الهواء والهوى ما بين معزوفة كمان شجية وقصيدة بَوْحٍ شقية يَهتز لها خصر أُذُنَيْن تُجيدان السمع وتَقولان للروح: «هِهْ، أَطْرِبِينا»..
إنه الهوى، والهوى لا تَسبقه النية، إنه الهوى ذاك الذي يَقطع أذيال الأنفاس بمقصّ الاحتباس، لكن صَدِّقْ يا صديقي أنه غير الاحتباس الحراري..
لِنَقُلْ إنه احتباس العاطفة تلك التي تَلْوِي عُنُقَك لَيّاً وهي تُشْهِرُ في وجهك ورقتَها الأخيرة التي تَكفر بوجودك رغم وجودك..
دَعْنا يا صديقي نَتسلق معا شجرةَ الحرف لِنَحُطَّ كعصفورين طَرُوبَيْن على حافة شُرفة الكبير خوليو اكليسياس Julio Iglesias.. ولْنُنْصِتْ إليه وهو يُجيد العزف على أوتار قلبه الأرَقّ من زُجاجة، كيف لا وهو يَنصهر فوق صفيح الحاجة!
إنها الحاجة إلى عَيْنَيْ أُنثاه العابرة لقارَّة الإحساس، الأنثى التي تَجعله يُفَصِّل الكلمة تفصيلا شفافا على مَقاس النغم الحزين ذاك الذي ألهبته به سياط السنين..
عن مواسم الحزن ولفحات نار الحرقة وستائر ليل العزلة بين مَدِّ بحر الحياة وجَزْرِه يحكي الإسباني خوليو اكليسياس، يَحكي هو حكايةَ أنثى معشوقة لا تختلف عن الحياة، لكنها الْمُجْرِمَة ما كانت إلا لِتُخَبِّئَ في صدره جرحا غائرا من العدل أن يَدمع له القلب..
مَن كان يصدق أن صاحبنا خوليو اكليسياس ذاك الشاب المولع بحب الرياضة سيشقى أمَرَّ شقاء وهو يتعرض لحادث سَير فظيع حَكَم عليه بالشلل نسبيا لزمن استغرق أكثر من سنة..؟ !
لكنها الموهبة الخفية تُولد في أسوأ الظروف، وإلا ما كان خوليو اكليسياس ليكتشف قدراته الداخلية تلك التي أَهَّلَتْه للحصول على ترقية من منصب هاوٍ للرياضة إلى منصب عاشق للنغم والكلمة التي يُصَفِّق لها المتلقي بأكثر من «نَعَم»..
إنه زمن السرير البارد ذاك الذي عَلَّمَه الشغف بليالي الطرب الحالفة ألا ترحل عن مخيلته هامسةً إليه (بحنان) هاربةً من شاطئ الغرام إلى حضنه الدافئ بِبَيْض الإلهام ذاك الذي ينحني له الغارق بين صبابةٍ وهيام..
رقدَةُ خوليو اكليسياس وهو قاب قوسين أو أدنى من زمن الشلل رَوَّضَتْه على مَضغ إحساسه بجروحه وانكساراته ليتأهب للقاء الفرصة التي زفت إليه نبوءة الإبحار في رحلة البحث عن الوتر الضائع..
لا أحد كان سيصدق أن ساعةَ قَدَر خوليو اكليسياس ستغير مجرى دوران عقاربها لتقول غير الكلمة التي كان يستعد لها هو الهارب من نفسه إلى خط مرمى كرة الملاعب..
لكن ما أشقى الرحلة من الملاعِب إلى مسارح الغناء تلك التي صَفَّقَتْ أضواؤها لمرور مَلِك النَّغَم بشتى لغات الإحساس وأوتار القلب الموعود بنجومية يُؤمن بها أَهْلُ ألفَنّ وعُشَّاقه..
مِن أَرْقَى وأَرَقّ ما دندنت به شِفاه خوليو اكليسياس بالفرنسية روائعه التالية:
- Je n’ai pas changer.
- Vous les femmes.
- J›ai besoin de toi.
على أن هذه الأخيرة (J›ai besoin de toi) حظيت أكثر فأكثر بانتشار صداها الأَرَقّ من بوح حمامة على مداخل خمائل النفس التواقة إلى مَن يُغازلها بلغة العشاق الحالمين..
خوليو اكليسياس ما كان ليصدق هو نفسه أن وُلوجه المفاجئ لعالم الفن سيَضرب له موعدا قَلَّ نظيره مع النجاح الساحق، أو أن نجاحة سيجعل أرقام مبيعات ألبومات أغانيه خيالية أكثر مما قد يتصوره حاصدُ حقول نجاحٍ بطَعم أخَر..
ولذلك تهاطلت عليه الجوائز من هنا وهناك، وما كان لسواه أن ينافسه على عرش الأغنية هو الذي أسر الملايين بجنون عشقه البَنَّاء للذوق الذي لا يُضاهيه ذوق..
فمن ذا الذي يصدق أن مبيعاته ستتجاوز مئات الملايين ليصعد نجمه صعودا صاروخيا يُعفيه من عثرات القفز على السلالم هو الذي يعرف كيف يَفوز بالغنائم..
«J›ai besoin de toi» من أروع روائع خوليو اكليسياس التي سيطيب لك يقينا أن تُجَرِّبَ الإنصات إليها لتقاسمني الإحساس برعشة أنفاس حُلمِ منتصف ليلة حُبّ حالفة أَلاَّ تنطفئ:
«Je vis dans l›ombre dès que je n›ai plus tes yeux,
Dans le silence dès que je n›ai plus ton rire,
Comme un croyant à qui l›on a tué son Dieu,
Je continue a vivre sans raison de vivre..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
J›ai besoin de toi, comme un arbre a besoin de pluie..
J›ai besoin de toi, comme un homme a besoin d›oubli..
J›ai besoin de toi, comme l›ombre a besoin du jour..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Et je n›y peux rien, ton amour me tient..
J›ai besoin de toi toujours..
Et je n›y peux rien, ton amour me tient
J›ai besoin de toi toujours..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
La nuit m›apporte des images d›illusion..
Je vais te retrouver au cinéma du rêve..
Je te dis»c›est bien toi, le temps m›a semblé long«..
Et tu vas me repondre quand le jour se lève..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
J›ai besoin de toi pour savoir qu›il fait beau la nuit..
J›ai besoin de toi pour mieux être ce que je suis..
J›ai besoin de toi pour savoir que le temps est court..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Et je n›y peux rien, ton amour me tient..
J›ai besoin de toi toujours..
Et je n›y peux rien, ton amour me tient..
J›ai besoin de toi toujours..»
=======
«أنا في حاجة إليك..
أعيش في ظلام منذ أن غابت عيناك..
أعيش في صمت قاتل منذ أن غابت ضحكتك..
أعيش كالعابد الذي تم قتل إلهه..
أستمر بالعيش دون أن أجد ما يدعو إلى العيش..
أنا في حاجة إليك كحاجة الشجرة إلى المطر..
أنا في حاجة إليك كحاجة الرجُل إلى النسيان..
أنا في حاجة إليك كحاجة الظل إلى ضوء النهار..
ولا أستطيع أن أفعل شيئا..
حُبُّكِ يَأسرني..
أنا في حاجة إليك دائما..
الليل يصور لي صورا من الوهم..
سأجدك مرة أخرى في سينما الأحلام..
أقول لك ها أنتِ ذي..
حين ألقاك يبدو لي الوقت طويلا..
وأنت سوف تجيبينني حين يطلع النهار..
أنا في حاجة إليك لأعرف أن الطقس الليلة جميل..
أنا في حاجة إليك لأكون أفضل مما أنا عليه..
أنا في حاجة إليك لأعرف أن الوقت قصير..
ولا أستطيع أن أفعل شيئا..
حبك يأسرني..
أنا في حاجة إليك دائما..» (خوليو اكليسياس).
إن قطعة فنية رقيقة ورائقة كهذه لا غرابة أن يَطرب لها الوتر الحساس في قيثارة قلبك ذاك الذي يصدح كعندليب عاطر بأشفّ المشاعر..
إنها المشاعر النبيلة تلك التي يترجمها خوليو اكليسياس بمنتهى العاطفة، فإذا بكلماته تُشَتِّتُ كثبان رمال حياتك الباردة لتَنفخ فيها بحُبّ..
وإذا بعالم آخَر يَفتح لك بابَه لِتَلِجَهُ بلا حصان وبلا سلاح، فيكفي أن تكون فارسا نبيلا مِن زمن الطرب الجميل لتعانق الأنفاس التي يُمَرِّرُ عبرها خوليو اكليسياس رسائله الدافئة تلك التي تُعيد كتابة حياتك العاطفية بلمسات قلم فنان يُفَصِّل الكلمات بإتقان..
وأنتَ تُنصت إنصاتا حالما إلى قطعة «J›ai besoin de toi»، أتحدَّاكَ إن لم تُسافر بلا طائرة، تُسافر أنتَ في الزمن لتَحُطّ الرحال عند فرسان ميدان الحُبّ ذاك الذي جمع حطبَ الحُبّ الكافي لتدفئة زمننا البارد..
سَلْ نفسك يا صديقَ أيامي الحلوة والباردة: كم من خيمة تسكنها حرارة الحُبّ قد وقفت عندها جوقةُ عصافير خوليو اكليسياس لِتَلْتَقِطَ قمحَ الحُبّ الذي يفتح شهية القلب على الحياة الثانية؟!
هذا شيء مِن عطر عالم خوليو اكليسياس الشهي كوردة والحُلو كبوظة، إنه خوليو اكليسياس ذاك الذي قد يكون بعيدا عن قبضةِ يَدَيْ أذنيكَ، لكنه ما عاد خَفِيا مِن الآن عليك..
أدعوك من هنا يا صديقي إلى إنصات طَيِّب، تحية حُلوة للرقيق خوليو اكليسياس، وسلاما لمَن جاد لسانُ قلبه بترجمة حَيَّة لِـ «J›ai besoin de toi» في اللحظة الفاصلة بين تثاؤب القَلَم وما قبل يقظةِ شمعةِ ليلِ الوالهين..
copy short url   نسخ
21/12/2019
2405