+ A
A -
لفتت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر مؤسس المؤسسة القطرية للعمل الاجتماعي الانتباه إلى موضوع هام، وذلك في كلمة سموها أمام الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الدوحة الدولي للإعاقة والتنمية الذي بدأ أعماله في الدوحة يوم السبت الماضي الموافق الثامن من ديسمبر2019 تحت شعار «حتى لا يُترك أحد خلف الركب»، داعية إلى إعادة النظر في تعريف الإعاقة، لأن الإعاقة بتعريفها الواسع تتجاوز تلك الصورة الذهنية الراسخة في عقول الناس عن أنها حالة عجز للفرد بسبب فقدان جزئي أو كلي للقدرات البدنية أو الحسية أو العقلية نتيجة حادث وقع له في الحياة أو وُلِد هكذا نتيجة عوامل وراثية أو خَلقية أو بيئية مكتسبة.
إن هذا التعريف النظري لم يعد ينسجم مع الواقع العملي، فالواقع يقول إن كثيرا ممن يعانون إعاقة سمعية تفوقوا في مهارات كثيرة على أصحاء السمع، ولنضرب على ذلك مثلا الموسيقار العالمي لودفيج فان بيتهوفن الذي ألف عددا من أروع أعماله الموسيقية في العقد الأخير من عمره بعد أن أصيب بالصمم التام، وكثير ممن يعانون إعاقة حركية تفوقوا في مهارات الحركة على كثير من الأصحاء، وتشهد بذلك البطولات الرياضية التي أحرز ذوو الإعاقة فيها انتصارات أبهرت الأصحاء، وفي الإعاقة البصرية تفوق العُمْي – وهو وصف لا يخجلون منه لأن القرآن الكريم استخدمه توصيفا لمن كُفَّ بصرهم – على المبصرين في التعليم، ولنضرب على ذلك مثلا عميد الأدب العربي طه حسين الذي كان وزيرا للمعارف في مصر في حقبة ليست بعيدة، وحقق من الشهرة الأدبية ما لم يحققه أقرانه المبصرون، كما عمل مكفوفو البصر في مهن دقيقة منها على سبيل المثال لا الحصر مهنة ميكانيكا السيارات.
ومن الطرائف بالنسبة لمكفوفي البصر أنه في أحد المؤتمرات الدولية التي عقدت وتحديدا في إحدى المؤسسات المعنية بذوي الإعاقة السمعية لمناقشة قضايا هذه الفئة حدث أن انقطع التيار الكهربائي، وكانت الجلسة تعقد ليلا وفي قاعة داخلية، وبانقطاع الكهرباء عم الظلام المكان ولم يعد المبصر يرى كف يده، وحال انقطاع الكهرباء دون مواصلة الجلسة، فقرر المجتمعون الانصراف على أن يستكملوا الجلسة في اليوم التالي، ولكن واجهتهم مشكلة وهي أن المبصرين منهم عجزوا عن الخروج لأن بالمؤسسة أروقة وممرات ضيقة لابد أن يقطعوها وهم في طريقهم إلى الخارج، وكان الحل الوحيد أمامهم هو أن كل واحد من المكفوفين يسحب واحدا من المبصرين وقد كان، وهكذا بقدرة قادر وفي لمح البصر تحول المكفوفون إلى مبصرين وتحول المبصرون إلى مكفوفين.
فعندما تدعو صاحبة السمو إلى إعادة تعريف الإعاقة فسموُّها كما عودتنا صاحبة رؤية ثاقبة ومبادرات متفردة تضع الأمور في نصابها الصحيح، وسموها بهذه الدعوة تساهم في حل أزمة لا تغيب عن المثقفين في الوطن العربي، وهي أزمة المصطلحات والمفاهيم، فكثير منها لم يعد ينطبق على الواقع بعد هذا التطور السريع الذي طرأ على المجتمعات وحياة الناس، ونحن في انتظار أن نرى دعوة صاحب السمو قد أخذت طريقها نحو التنفيذ، لأنها ستحل كثيرا من المشاكل النفسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية والتنموية والله المستعان.
بقلم: آمنة العبيدلي
copy short url   نسخ
11/12/2019
2556