+ A
A -
أكتب هذا المقال بعد خروج المنتخب القطري من بطولة خليجي 24 في الدوحة، وهو منتخب الدولة المستضيف للبطولة، جاءت المشاركة الشاملة، بعد تردد كبير من دول الحصار المنضوية تحت البطولة، ولكن تم احتواؤهم بترحيب بالغ وإعدادات ضيافة، وبرنامج فني لوجستي متقن شهد له الجميع.
لكن المهم هنا هو المحور الأخلاقي، وقبل الاستطراد هناك سؤال مشروع، هل كان على المسرح الخليجي أن ينتظر مناسبة رياضية، ليتجاوز بها القطيعة التي أُعلنت في الخامس من يونيو، طبعاً الجواب كلا بالطبع، غير أن واقع الأزمة والتصعيد فيها جعل من هذه المناسبة، ورمزيتها الوجدانية العميقة التي عكستها كلمة غانم السليطي، فرصة لخرق جدار القطيعة، وأهم من ذلك لاختبار الشعوب أنفسها، بعد الأزمة.
وكان البناء القطري الاجتماعي كعادته، سواءً من خلال موقفه الذاتي والنبل الذي نشأ عليه، أو من خلال رسائل الدولة وشخصياتها الرياضية الكبرى، بل وحتى السياسية كما هو في وقوف الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة، حين عُزف السلام الملكي السعودي، وقبل ذلك الشيخ تميم أمير الدولة، والشخصية التي استُهدفت في مركز مشروع دول الحصار.
وبقيَ النبض متقدا في المدرجات القطرية الحاشدة، مؤدب ومهذب وحيوي في كل مساحة يتنقل فيها أبناء الخليج العربي، وضُبطت التغطية الإعلامية للدولة بدقة متناهية، لمراعاة المشاعر الشعبية، ولتشجيع الناس في حضورهم من أي دولة كانت، وإن كان لبعض الشعور المغبون تجاه إحدى العواصم حالة خاصة، لا يخفى على أحدِ مسبباتها، ولكن مع ذلك احتُرمت وأُعطيت لها التغطية المستحقة.
وكانت هناك رسالة واضحة ملحة عبر الوجدان القطري، تلاقت بقوة مع وجدان الشعب العربي في الدولة السعودية، بإظهار الود والاحترام، لرفع القطيعة وعودة العلاقات الشعبية، كون أن السعودية الجغرافيا الاجتماعية الأهم للعمق القطري، بل الجغرافيا الطبيعية والسياسية، وهي إحدى أكبر خسائر الرياض فيما أقدمت عليه في أزمة الخليج، ومع ذلك فُتح الباب القطري بكل ترحاب.
هنا.. ونحن ندلف لعبور المساحة الأخلاقية الضرورية، فإن المبدأ الأساس هو أن نعمل سوياً على تجاوز الإرث السلوكي البغيض، الذي اشتعل بقرار الخامس من يونيو 2017، وحتى لو يفك اشتباك الأزمة، فنثبت هذه الصورة الجميلة التي قادها باقتدار نبض الشعوب، في قطر وتفاعل معه إخوته من بقية الخليج العربي، وخاصة حين ضممنا جناحينا العربيين العراق واليمن، فالبطولة كانت مجس اختبار ناجح بامتياز.
وهو ما يفرض على كل صاحب ضمير، وكل ذي مروءة ومسؤولية سياسية واجتماعية، أن يسعى لدفن هذا الجرح بين الشعوب، وإن بقيَ حقُ أهل قطر في ذاكرة الأيام، فلا يمكن أن يقال لهم، اطووا الصفحة دون فهم دروسها، لكننا جميعاً يجب أن نتوجه لدعم هذا المدخل الأخلاقي، وأن يكون الدرس الكبير، هو أن انحطاط الخليج الأخلاقي كان الخسارة الفادحة في الأزمة، وأن الخروج منها ضرورة قصوى.
ويجب تذكير الناس بعهد مروءات العرب في ساحل الخليج وفي بره، التي كان الناس يتناقلونها، بأن النبيل الشهم لا يُكدر لسانه ويمينه، خلافه مع الناس، فيثبت على الأخلاق، ويحفظ الأعراض، ويحسن للمسيء التائب، محتسباً عند الله، ومنتمياً إلى سلسلة مروءات العرب، التي كان يعيّر الناس حين (تُخفَر وجوههم) بالإساءة على الجار والقريب والغريب.
بقلم: مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
08/12/2019
2718