+ A
A -
محمُود الرنتيسي باحث وكاتب فلسطيني

منذ السابع من أكتوبر 2023، نظم أهالي الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين مؤتمرا صحفيا أسبوعيا أمام مقر وزارة الدفاع «الكرياه»، كما عُقدت عدة تظاهرات وفعاليات مختلفة للضغط من أجل إبرام صفقة تبادل عاجلة.. طالب بعض المتظاهرين بإسقاط حكومة بنيامين نتانياهو، إلا أن نتانياهو الذي اعتقد أنه قادر على تحييد وتنفيس ضغط ذوي الأسرى والمعارضة، واصل تجاهل هذا الملف فعليا عبر تكثيف حملته العسكرية، ضاربا عرض الحائط بكل مطالبات ذوي الأسرى والمحتجزين من جهة، كما عمل من جهة أخرى على تخدير هذه الجبهة من خلال عملية مفاوضات شكلية؛ بهدف التغطية على استمرار العدوان وليس بهدف الحلّ.

عوّل ذوو الأسرى على زيادة التأثير والضغط على نتانياهو وحكومته من خلال توسيع المظاهرات من حيث عدد المشاركين وأماكن التظاهر. تظاهروا في أكثر من مكان، وبالفعل في نهاية يونيو/‏حزيران 2024، تمكنوا من تجميع أكثر من 150 ألف إسرائيلي في تل أبيب، كما كانت هناك تظاهرات في قيسارية والنقب، مع دعوات لإضراب تحذيري عام في 7 يوليو/‏تموز 2024.

دعا آخرون إلى إضراب مفتوح حتى حلّ الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة. وقد اكتسبت هذه التظاهرات زخمها في نهاية يونيو/‏حزيران بعد استقالة الوزيرَين بيني غانتس وغادي آيزنكوت من حكومة الطوارئ برئاسة نتانياهو، حيث اتّهماه باتباع سياسات تخدم مصالحه الخاصة، كما اتّهماه بالفشل في تحقيق أهداف الحرب، وعلى رأسها إعادة الأسرى من قطاع غزة.

ومع عدم تشكيل استقالة غانتس وآيزنكوت رافعة كبيرة لحركة الاحتجاجات، شعر نتانياهو بنشوة القدرة على تحييد العامل الاحتجاجي، مما جعله يستمرّ في سياسته المبنية على الضغط العسكري؛ لتحقيق النتائج التي يريدها، وساعده على ذلك الموقف الأميركي الباهت.

لكن في ذات السياق، كان هناك عامل آخر يتزايد تأثيره، وهو زيادة عدد القتلى من الأسرى الإسرائيليين في غزة على يد قوات الاحتلال. ففي نوفمبر/‏تشرين الثاني 2023، أعلنت كتائب القسام أنّها فقدت الاتصال بمجموعة مكلفة بحماية أسرى إسرائيليين لديها، وأن مصير الأسرى والآسرين مجهول. وفي ديسمبر/‏كانون الأول 2023، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل عن طريق الخطأ 3 من الأسرى الإسرائيليين في حي الشجاعية. وقالت القسام حينها إن هؤلاء الثلاثة قد يكونون من بين 5 أسرى قتلوا جراء قصف الاحتلال.

وصولا إلى سبتمبر/‏أيلول 2024، وصل عدد القتلى من الأسرى في غزة إلى 27، كان آخرهم 6 قتلى في رفح جنوب قطاع غزة أعلن الجيش العثور على جثثهم بعد محاولة لتحريرهم بالقوة من قبل جيش الاحتلال. كما وظف الإعلام العسكري التابع لكتائب القسام مشاهد مصورة للمحتجزين قبل مقتلهم في فضح موقف نتانياهو، مما أدى إلى تحريك الشارع الإسرائيلي ضده، خاصة مع نضوج كل عوامل الوصول إلى صفقة تبادل.

ويشار هنا إلى أن القسام راهنت على هذا التكتيك كعامل ضغط يمكن أن يضعف موقف نتانياهو، ويبدو أن هذه الطريقة بدأت تؤتي أكلها رغم كل محاولات نتانياهو لإحباطها.

لأن الأسرى الستة كان يمكن تحريرهم من خلال صفقة تبادل منطقية رفضها نتانياهو، أثار مقتلهم الكثير من الغضب، وعادت الدعوات للتظاهر والإضراب من جديد. وبالفعل، تظاهر بشكل غير مسبوق مساء الأحد أكثر من 770 ألف متظاهر؛ لدفع حكومة بنيامين نتانياهو للقبول باتفاق مع المقاومة الفلسطينية يخرج بموجبه المحتجزون الإسرائيليون المتبقون لدى المقاومة. وكان هذا الحشد الأكبر منذ بداية الحرب دافعا مهما للجهات المعارضة التي كانت تنتظر الفرصة للدعوة للإضراب.

من الواضح أن الحكومة نظرت إلى الإضراب كتهديد، خاصة مع تزامنه مع هذه الأعداد غير المسبوقة من المتظاهرين التي دعمته، لذلك حاولت الحكومة الإسرائيلية إفشال الإضراب بكل السبل. خاطب وزير المالية بتسلئيل سموتريتس محكمة العمل لإيقاف الإضراب بحجة أنه سياسي وليس نابعا من مطالب عمالية.

لم تكن السبل القانونية هي الوحيدة في مساعي الحكومة لإفشال الإضراب، فمن الواضح أن نتانياهو شعر بالخوف من عدد المتظاهرين غير المسبوق ومن الإضراب التحذيري. لذلك لجأ إلى محاولة تفكيك أسباب الغضب التي سببت الإضراب المتزامن مع المظاهرات من خلال مؤتمر صحفي حاول فيه تبرير موقفه، قائلا إن إسرائيل كانت قريبة من تحرير المحتجزين الستة، ولكن حماس قتلتهم. كما لعب نتانياهو على وتر الوحدة، مشيرا إلى أن هذه الانتقادات والاحتجاجات تمنح العدو أملا في إحداث الفرقة، وأنها تؤثر على عمل الجيش والشاباك.

لكن من خلال القراءة الأولية، يبدو أن نتانياهو أصبح في وضع أصعب. فذوو الأسرى مقتنعون بأن السبب في مقتلهم هو نتانياهو الذي أكد ترجيحه البقاء في محور فيلادلفيا على تحرير الأسرى، وأكد إصراره على المضي بسياسة الضغط العسكري لتحقيق الأهداف. ولذلك يمكن القول إن إصرار نتانياهو على سياسته من شأنه أن يزيد من الغضب، ويدفع لتوسع الاحتجاجات، واحتمال تكرار الإضرابات بأشكال مختلفة في ظل ترصد الحكومة لها، وسعيها لوأدها بشتى السبل القانونية وغيرها. إذا تراكمت وتنوّعت الخطوات الاحتجاجية بما يخدم توسع الجبهة المعارضة لنتنياهو وامتدادها إلى معسكر الليكود خاصة في ظل توتر علاقة نتانياهو بوزير دفاعه وعضو الليكود يوآف غالانت وآخرين من أحزاب شاس ويهودية التوراة، فإن نتانياهو سيكون في وضع حرج جدا. وقد كان زعيم المعارضة يائير لبيد واضحا عندما قال لأعضاء الكنيست من هذه الجهات: «أنتم لم تقسموا يمين الولاء لنتنياهو، بل لدولة إسرائيل».

copy short url   نسخ
04/09/2024
15