+ A
A -
رغم أن لوحة «البيانيستا» للفنانة فريدة درويش تعد من أغلى اللوحات مبيعاً في مصر بالسنوات الماضية ورغم أن صاحبة اللوحة كانت على يقين من موهبتها الفنية منذ طفولتها، إلا أنها كغالبية الشباب قد تاهت في الدرب، وضاع نصف عمرها أو يزيد بحثاً عن ذاتها وموهبتها والركن المضوي في شخصيتها، معتقدة في إتقانها لفن الرسم فحسب، وعقوداً مضت من عمرها حتى استبصرت فريدة المشيئة الإلهية التي أسفرت لها عن موهبتها الأكبر في مساعدة الناس والأخذ بأيديهم، فأدركت أخيراً أنها لم تخلق للرسم فحسب بل لتعليمه وتدريسه.
والفنانة فريدة هي ابنة الدكتور عبدالعزيز درويش رائد المدرسة الواقعية التأثيرية ووكيل كلية الفنون الجميلة السابق.. ولأنها ورثت جينات الفن من والدها، فكان طبيعياً أن تتقدم لامتحان القبول للالتحاق بالكلية، ورغم أنه لم يكن طبيعياً أن ترسب في الامتحان، إلا أنها لم تُصدم، حيث سبقتها أختها الكبرى في الرسوب بذات الامتحان، علماً أن هذه الأخت كانت حاصلة على المركز الأول في مسابقة أفضل الرسامين الأطفال على مستوى العالم عام 1970!
كانت فريدة صغيرة حال استسلامها لأول إخفاقاتها، لكنها كانت من القلائل الذين يرون أن الالتحاق بالهندسة- إحدى كليات القمة- يعد نوعاً من الإخفاق، وبالفعل عاشت مرحلة كبيرة من حياتها كإنسانة عادية، فدرست الهندسة التي لا تهواها وعملت بعمل لا يشبع طموحها كمصممة جرافيك في شركة دعاية ثم كمهندسة ديكور وتزوجت فأنجبت ومضت بها الحياة حيث عاشت واقعها وأغفلت حلمها.. إلى أن جاء قرارها بالاستلحاق، فاستماتت لللحاق بحلمها فأحيا الله الحلم والفنانة معاً.
ولأن أبواب الكلية كانت مسدودة أمامها، فشرعت تشتري كتباً وتقرأ بنهم لتعلم نفسها، ثم التحقت بكورسات وطالعت فيديوهات لتعليم الرسم على اليوتيوب، لكن كل ذلك لم يشبع نهمها لاحتواء الفن التشكيلي.
وعقب ثورة يناير، عاشت فريدة إخفاقات متتالية على المستويين العملي والشخصي، فقررت الانفصال عن واقع رفضته والاتصال بحلم أرادته، فوهبت حياتها لتحويل الحلم لواقع، فاشترت بيتاً عرف في أوساط الفنانين بـ«المرسم» كان بمثابة رحم احتضنت فيه كل من يريد تعلم الرسم حتى الاحتراف– بغض النظر عن سنه أو قدراته الفنية- على يد مدرسين وفق منهج خاص تحت إشرافها، يبدأ بالبورتريه بالرصاص والتي تصفه بأنه أساسي لتعلم الرسم ويوازي تعلم النوتة أو «السولفاج» لدى الموسيقيين، ثم يلي ذلك تعليمهم استخدام الخامات المختلفة للرسم بالألوان أو الزيت أو غيره.
بعد فترة، لم ترتح لطريقة تدريس بعض المختصين لغلبة الطبع التجاري على كورساتهم، فقامت بالتدريس بنفسها، بمساعدة خريجي فنون جميلة، فكانت هذه نقطة انطلاقة للمرسم.. حيث فاق المرسم كليات تربوية تنشد أن يلتحق بها شباب ماهر سلفاً بالفن التشكيلي. بينما يقوم المرسم بتعليم هذا الفن لهواة يجهلونه حتى يحترفوه وفق دراسة منهجية خلال سنتين، كما يساهم المرسم بتعريف المجتمع بأعمالهم من خلال إقامة معارض سنوية لعرض لوحات الفنانين ويقوم أيضاً بدور تسويقي للوحاتهم.
وقد تخرج في المرسم أسماء بدأت تلمع في سماء الفن التشكيلي المصري منهم الفنانة غادة أبو حديد والفنانة دينا فهمي والفنانة جينا الجمال والفنان حسام الشاذلي.
وستبقى لوحات «كالبيانيستا» لفريدة درويش و«الباليرينا» لدينا فهمي وغيرها من الأعمال المتميزة شواهد على نجاح من استلحقوا ما تبقى من أعمارهم ودليلا على أن الإخفاقات هي أوسع السبل التي تصل لدرب النجاح.
بقلم : داليا الحديدي
copy short url   نسخ
25/06/2016
3698