+ A
A -


قال زهير بن أبي سُلمى في معلقته:
لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده
فلم يبقَ إلا صورة اللحم والدّمِ
ولا يخفى على أحدٍ أنَّ زهيراً قد قرضَ معلقته وهو في الثمانين من العمر، أي بعد أن طحنته التجارب، وعجنته المواقف، وخبزه الزمن على مهل! لهذا ليس مستغرباً أن تكون أكثر المعلقات العشر حكمة، والعشر على القول الذي لا يراها سبعاً!
وحديثنا اليوم ليس عن المعلقات وإن كان الحديث عنها ماتعاً وذا شجون! وإنما الذي يعنيني منها البيت الذي بدأتُ فيه... يرى زهير أن الإنسان بلسانه وقلبه، وهو إذ يجعل اللسان نصف الإنسان فلا يعني باللسان قطعة اللحم التي تسكنُ الفم! وتقتصر وظيفتها البيولوجية على تذوق الطعام! وإنما كان يعني أن الألسنة مغاريف العقول، لهذا عندما رأى أرسطو رجلاً يتبختر في مشيته قال له: تكلم حتى أراك! فكم من إنسان أعجبنا منظره، ولما رأيناه أكبرناه، فإذا تكلم فلا أسلوب ولا مضمون وما يلبث أن ينزل من أعيننا سريعاً.
وكم من إنسان رأيناه فازدريناه، ولم نحسبه شيئاً، فإذا تكلّم، سحر بأدبه وغمر بلطفه، وما يلبث أن يرقى في أنفسنا عالياً! فاللسان هو وزارة إعلام المرء! يرينا الأشياء المخبأة في الداخل، وقد حضر شيخ كبير في السن مجلس أبي حنيفة، وكان أبو حنيفة متربعاً وأراد أن يمد رجليه، ولكنه آثر ألا يفعل، توقيراً لهذا الشيخ الجليل، وعندما انتهى الدرس وبدأت الأسئلة إذا بالشيخ يسأل أبا حنيفة: إذا جاء الحج في رمضان نحج أم نصوم؟!
فقال أبو حنيفة: آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه!
ومرض خاقان وزير الخليفة المهدي، فزاره الخليفة في بيته، وكان الفتح بن خاقان - أشهر وزراء الدولة العباسية فيما بعد- في الخامسة من عمره، فأراد المهديّ أن يلاطفه، فقال له: يا غلام؛ أيهما أجمل دار أبيك أم دار الخليفة؟
فقال له الفتح: دار أبي لأن الخليفة فيها!
فدُهش المهدي من جواب الفتح، وأراد أن يعطيه خاتمه، فقال له: يا غلام؛ أرأيت أجمل من هذا الخاتم؟
فقال له الفتح: أجمل منه اليد التي هو فيها!
وأما القلب فليس المُراد منه العضلة المنوط بها ضخّ الدم في أنحاء الجسم، وإنما رقة الإنسان وعذوبته، قسوته وجلافته، إيمانه وكفره، حبه وبغضه، فلطالما كانت المسألة مسألة قلوب بالدرجة الأولى، وما سبقنا أبو بكر وعمر بصيام ولا صلاة ولكن بشيء وقر في الصدر، وفي هذا يقول الله تعالى في محكم التنزيل: «فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور»! لهذا كان عمر يردد دوماً بعد أن شرح الله صدره، وجذب إليه قلبه: أين كان عقلي عندما كنت أصنع صنماً من تمر، أعبده في النهار وآكله في الليل؟!
عمر هو عمر، هذا الجسد لم يتغير، ولكنه القلب ما عاد كما كان من قبل! لهذا لا تستغربوا عندما تشاهدون رائد فضاء في الهند يعبد بقرة!.
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
25/06/2016
2409