تحقق حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات المعروفة اختصاراً (BDS)، انجازات هائلة منذ اطلاقها عام «2005» من قبل «170» منظمة فلسطينية غير حكومية، هدفها إضعاف مكانة إسرائيل حول العالم ونزع شرعيتها في المنظمات الدولية والضغط عليها لإنهاء الاحتلال ومنح الاستقلال للشعب الفلسطيني.
وفي حين تحاول الدولة الصهيونية التستر قدر الامكان على نجاحات الحركة وترصد مئات الملايين لمحاربتها، فإن هذه المحاولات لن يكتب لها النجاح، على ضوء اعتماد مؤسسيها أساليب كفاح ترتكز على القانون الدولي والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان، وترفض كل أشكال العنصرية بما في ذلك معاداة السامية.
ثم ان (BDS) لا تستهدف اليهود، بل نظام الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان الاستعماري للضفة الغربية والقدس الشرقية وتطبيقهما الفصل العنصري. ومع مرور حوالي إحدى عشرة سنة على تدشين هذه الحركة، انتشر مفهوم المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض المقاطعة على إسرائيل انتشار النار في الهشيم، حيث ترسخت قناعة لا يستطيع حتى اليمين المتطرف التهرب منها، بأن إسرائيل تضطهد الشعب الفلسطيني وترفض التسوية السلمية على أساس حل الدولتين.
هذا الانتشار يتسارع بطريقة تجعل حصره صعباً للغاية، فهو أشبه بفيروس معدٍ اجتاح أوروبا كلها، وتضرب أمواجه الولايات المتحدة بالتدريج ولكن بثبات وتواصل. ويعتبر عام «2014» بداية مرحلة تعمق هذه الحركة، وذلك بعد أن وقعت حوالي ألف مؤسسة ثقافية في بريطانيا على وثيقة تلتزم بدعم مقاطعة إسرائيل ثقافياً، وتبعتها مبادرة شبيهة في مونتريال بكندا، ثم في ايرلندا وجنوب إفريقيا، كما تم منع العديد من السفن الإسرائيلية من تفريغ حمولاتها في موانئ سان فرانسيسكو الأميركية.
كذلك قرر الاتحاد الأوروبي حظر استيراد الألبان واللحوم المرتبطة بالمستوطنات اليهودية، فيما طالبت مئات المؤسسات والأحزاب الأوروبية بتجميد اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل. وعلاوة على ذلك، تبنت جمعيات أكاديمية أميركية و«1200» أكاديمي في جامعات إسبانيا، الدعوة إلى المقاطعة الثقافية الكاملة لكيان العدو. وهناك في الواقع لائحة طويلة من المشاركين في حركة (BDS) لا يمكن تذكرها كلها، بما في ذلك انضمام اتحاد الطلاب البريطاني الوطني الذي يضم سبعة ملايين طالب لحركة مقاطعة الدولة العبرية.
ويشير خبراء ومثقفون إلى أن أبرز ما يميز هذه الحركة المبتكرة التي تسبب الرعب في أوساط اليمين الإسرائيلي وفي المحافل الاستيطانية، هو دورها المهم في مجال التركيز على الوعي والضمير الانساني، ومخاطبتها القيم والأخلاق لدى البشر، وهو ذات النهج الذي اتبعه العالم لاسقاط نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا عام «1994».
وما يساعد حركة (BDS) أنها لا تنتهج أسلوب الكفاح المسلح ولا تطالب باللجوء إلى العنف، بل هي أحدث أشكال المقاومة الشعبية والمدنية الفلسطينية المعارضة لنظام الاستعمار الاستيطاني الاحتلالي، وأكثرها نجاحاً على المستوى العالمي، وتلقى في الحقيقة الكثير من الترحيب من المنظمات والأفراد.. وهي باختصار حركة حقوق إنسان عالمية تعتمد على الجهود الطوعية، وليست حزباً ولا حركة أيديولوجية.