سوف نجد إجابات كثيرة لدى شيوخنا الكبار ولكن شيخنا أمين الخولي رحمه الله كانت له إجابة جديدة ومختلفة، فهو ينبه إلى وجود صلة بين القرآن وبين شهر الصيام. بالصيام يدرك الإنسان آدميته وهذا الإدراك هو الذي يقوم عليه فهم الحياة ومعنى التدين، فالإنسان مخلوق وفيه قوة وفيه ضعف، فيه الشهوة وفيه الإرادة، والإنسان في النهاية ليس ملاكاً وليس مهيئاً للإتيان بالمعجزات، ولذلك فرض الله الصيام لكي يتنبه الإنسان إلى ضعفه وحدود قوته وإلى نعمة الصيام التي هي من أكبر نعم الله عليه، وبهذه النظرة الإنسانية نزل القرآن ليهدي إلى الإيمان وإلى الإسلام، على رسوله صلى الله عليه وسلم، وليست له معجزة من المعجزات التي جاء بها بعض الرسل من قبله في أزمنة لم تكن الإنسانية قد وصلت فيها إلى درجة من النضج تجعلها تدرك بالعقل وبالتفكير دون حاجة إلى الخوارق، ولهذا جاء القرآن معجزة في حد ذاته، فقد نزل بلغة العرب وهم أصل البلاغة والفصاحة وتحدى أن يأتي أهل البلاغة بسورة أو حتى بآية مثله، وبذلك أدرك العقلاء أن هذا كتاب أحكمت آياته لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
يشير شيخنا أمين الخولي إلى أن القرآن والصيام كلاهما يخاطب بشرية الإنسان، فشهر رمضان أنزل فيه القرآن هدى للناس، من المفسرين من قالوا إن معنى نزول القرآن في رمضان أنه نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في رمضان ثم أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم في الأرض مفرقا على مدى عشرين عاما. وبعض المفسرين قالوا إن شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن تعني أن آية الصيام في شهر رمضان أنزلت في القرآن، وبعضهم قال إن شهر رمضان أنزل فيه القرآن بمعنى بدء نزول القرآن في رمضان ولفظ القرآن يطلق على القرآن كله ويطلق على بعضه.
ولكن شيخنا أمين الخولي رأى أن فهم الآية يقود إلى أن النزول ليس فقط بمعنى الهبوط من السماء إلى الأرض، بدليل أن القرآن استعمل كلمة النزول بمعنى آخر ليس فيه انتقال ولا هبوط في قوله: «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد» وفي قوله (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا) أما حين يقصد القرآن النزول بمعنى الهبوط المادي فإنه يذكر صراحة الانتقال من أين وإلى أين في مثل قوله تعالى (أنزل من السماء ماء) و(أنزلنا من السماء ماء ثجاجا) و(أنزل علينا مائدة من السماء). فنزول القرآن في رمضان ليس شرطا أن يكون نزوله المادي نزل به جبريل عليه السلام ولكنه نزول بمعنى تقريب الشيء والهداية إليه.
فالقرآن نعمة وهداية فإنزاله في رمضان يمكن أن يكون تقريبه إلى الناس وأنسهم به في شهر رمضان وهو الشهر الذي يدرك فيه الصائم إنسانيته يجدون في القرآن تأكيدا لذلك ويجدون الهداية وتفسير الحياة والطريق إلى الحياة التي يرضى عنها الله، أما معنى قوله تعالى ما معناه إن القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمعناه أن فيه فرقانا بين عصر وعصر قبله. وكذلك رمضان فيه فرقان بين الطاعة والجحود.
بقلم : رجب البنا