+ A
A -

لولا العقل الذي منحنا إياه الله لما وصلنا إلى كل هذا الازدهار الحضاري والتقدم التكنولوجي المبهر على مر العصور.

اليوم، نحن نتمتع بخيرات هذه الـمَلَكة العظيمة التي تميزنا بها عن سائر المخلوقات، لكن كما هو الحال دائماً؛ فلكل شيء إيجابي جانب مظلم. فعقلك سلاح ذو حدين؛ إما أن يرفعك إلى مقام أعلى أو يهبط بك إلى الدرك الأسفل، كل ذلك يتحدد بناء على كيفية استخدامك له.

نخطئ كثيراً إذ نعتقد أن أفكارنا هي نحن، فنختصر هويتنا في العقل وما يطوف فيه، لكن الحقيقة هي أن عقولنا أداة لا أكثر ولا أقل، أما نحن فتلك الكينونة الداخلية المتصلة بالأبدية، وبمصدر الجمال والفرح والخير؛ خالق هذا الكون العظيم.

عندما تعتقد أنك تجسيد لتلك الأفكار التي تسبح في فضاء ذهنك، تصبح وقتها أسيراً لما تفكر فيه. على هذه الشاكلة وللأسف الشديد يقضي معظم الناس حياتهم أسرى لأفكارهم وذكرياتهم الماضية، بينما هم حاضرون جسداً فحسب في الوقت الحاضر.

أعداد لا تعد ولا تحصى من الموهوبين والأذكياء عبر التاريخ انتهت حياتهم قبل أن يحققوا أي شيء يذكر، لأنهم ظلوا غارقين في أفكارهم السلبية وذكريات ماضيهم الأليمة كلي يوم من عمرهم، حتى فارقوا الوجود دون أن يقدموا لأنفسهم وللإنسانية أي إنجاز مجيد أو خدمة جليلة.

لا يوجد إنسان في العالم مهما بلغ من وسامة أو نفوذ أو مال محصن ضد غدر الحياة. كلنا سنتجرع من كأس الألم، وسنخوض في علاقات فاشلة، وسنتعرض للغدر والخيانة يوماً. الحياة المخملية الوردية لا وجود لها إلا في الأحلام، أما الواقع فيتطلب شجاعة في تقبل حقيقة الوجود ونواميس الكون.

إن الانفصال عن الحاضر من خلال الغرق في ذكريات الماضي لا ينفع في شيء؛ فلا هو سيعيد الزمن الذي انقضى، ولا الحدث الذي تتمنى لو يعود حتى تعالجه بطريقة مختلفة، ولا هو قادر على جعلك تحيا بسلام اليوم، أو تظفر بحياة سعيدة وناجحة في المستقبل. وبالتالي فأنت لا تفعل شيئاً سوى تدمير كل شيء، كما لو أنك تحفر قبراً تدفن فيه أي أمل للنجاة.

«العيش في الماضي موت في الحاضر، ودفن للمستقبل». هكذا جاء على لسان أحد أبطال أفلام هوليوود. عبارة حكيمة تختزل الواقع، وتسلط الضوء على خطورة أن يحبس المرء نفسه في غياهب الماضي السحيق بدلاً من التركيز على حاضره، والعمل على بناء مستقبل أفضل.

توقف عن نطح رأسك في الحائط، لأنك لن تستفيد شيئاً سوى الإحساس بمزيد من الألم. توقف عن الوقوف على الأطلال فما فات ولى وانقضى، يكفيك حزناً على فراق حبيب أو رحيل عزيز عن هذه الدنيا فالموت حق علينا جميعاً، والرحيل خيار شخصي لا دخل لك فيه.

فكر فيما ستفعله الآن، لا فيما كنت ستفعله في ماضٍ لا يمكنك الرجوع إليه. صحيح أنك تألمت كثيراً، وعانيت الأمرين، وذقت طعم المرارة والأسى، وفقدت الكثير من الأشياء المهمة والأشخاص المهمين، لكن ما فائدة اجترار كل ذلك يومياً؟ هل ستصلح ما طوى الزمان صفحته؟ أم ستبقى أسير الماضي وذكرياته إلى آخر العمر؟

ما جرى في حياتك انتهى، ولا فائدة من استرجاعه. لا فائدة من تأنيب الضمير القاتل، ولا قيمة للندم بعدما سبق السيف العذل. لكن صدقني أنك إذا تعلمت من أخطاء ماضيك، وندمت على قول أو فعل سلبي في الماضي بصورة متزنة روحانية، فدفعك ذلك لتقرر قراراً حازماً لا رجعة فيه، بأن تكون شخصاً مختلفاً عما كنت عليه في الأمس؛ فذلك هو الفوز العظيم. لن تصلح الماضي مهما فعلت، هذه حقيقة، لكن إذا أصبحت شخصاً غير الذي كنت عليه في السابق فهذا أنبل تعبير عن الندم، وأعظم رد على الضعف الذي كنت عليه سابقاً، فابدأ بالتركيز على حاضرك لأنه كل ما تملك، ودع الماضي بحب بعد أن تتعلم من تجاربك السابقة، وكن إنساناً أفضل مما كنت عليه يوماً. بهذا الشكل تمضي قدماً إلى الأمام، وتصل إلى حالة رائعة من السلام الداخلي مع مرور الوقت.

حمد حسن التميمي

www.hamadaltamimiii.com

copy short url   نسخ
10/06/2024
130