+ A
A -
- د. سعاد دريرتَذَكَّرْ(ي) معي ذلك الطَّيفَ الحالِمَ لأُنْثَى كانتْ تُلازِمُك كَظِلِّك، تُدَاعِبُك، تَتَحَسَّسُك، تُقَبِّلُ وَجْنَتَيْك وكَفَّيْك وقَدَمَيْك.. لكن الوقتَ يمرّ، ويغرز فيك شوكتَه الزمنُ الجائرُ، فإذا بك تَنْأَى (تَنْأَيْنَ) عنها، يَبْتَلِعُك الوقتُ ويَخُونُها زمنُك. مَنْ تكون تلك؟ إنها أُمُّك التي تضيق بها المخارجُ إلى الحياة بعد أن لَفَظْتها أنت كالنواة، تَسْتَكْثِر(ين) عليها قُبْلَةً على الخَدّ وضَمَّةَ منديلٍ يمسح وجهَها بِرِقَّةٍ وحُبٍّ ويُزِيل عن عينيها الْمُتعَبَتَيْن ما تَرَسَّبَ من قَهْرِ الأيام ليُغَلِّفها غبارُ النسيان.
في مَقامٍ كهذا الذي تُضِيءُ له قناديل رمضان، لا تنسَ(يْ) مَنْ تُظْلِم الدنيا في عيونهن، نساء تَحَمَّلْنَ من وَجَع الأيّام ما يَتَحَمَّلُه الأيتامُ، بينما لم يَفُزْن بإحسانِ البنات والبنين الغافلين عن الأوقات الصعبة التي يَعِشْنَها على هامش الحياة منزويات منطويات يُمَزِّقُهُنَّ غبنُ آخرِ العمرِ وغربتُهن في ملعب الزمن الذي حَكَمَ عليهن بقسوة وجَرَّعَهنّ من مُرِّه ما لا يَقْوَيْن على تجرُّعه ولِمَنْ تَبُثُّ الواحدةُ منهنّ شَجَنَها؟!
أُنَاشِدُ كُلَّ رَجُلٍ وامرأةٍ بحقّ نُورَانِيَّةِ رمضان: خُذْ(ي) أُمَّك في حضنك. أَشْعِرْ(ي) أُمَّك بما يليق بمكانتها عندك وبأنها أغلى غالية قبل فوات الأوان. احْمِلْ(ي) أُمَّك قبل أن يَحْمِلَها الموتُ. هَيِّئْ(ي) لأمّك ظروفَ الراحة النفسية والطمأنينة واسْعَ(يْ) لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما أفسده الزمنُ في علاقتكما. اِنْتَشِلْ(ي) أمَّك من بئر الكآبة السحيقة التي قد لا يخطر على بالك مطلقا إلى أي غَوْرٍ مَضَتْ بها. خَفِّفْ (ي) عن أمّك وطأةَ الاكتئاب الذي يجعل كبارَ السِّنّ يشعرون بأنهم منبوذون..
احضنْ(ي) أمَّك ولْيَكُنْ عناقك بدفء وحب وحنان. تَحَسَّسْ(ي) أمَّك بين كَفَّي قلبِك وعينيك كما تتحسَّس(ين) الوردةَ تعبقْ هي أمُّك بعَبَقِ الأمومة إلى ما لا نهاية. دَلِّلْ(ي) أمَّك كما تُدَلِّل(ين) طفلتك الصغيرة. داعِبْ(ي) أمَّك بِشَغَفٍ ولَهْفَةٍ. اجعل(ي) أُمَّك تشعر بأنها مركز الكون، فاهتمامك بها يُعادِلُ الكونَ كُلَّه. لا تحرم(ي) أمَّك من مشاعرك التوَّاقة إليها. لا تجعل(ي) أمَّك تَتَمَارَضُ لتستجدي بعضَ الحُبّ منك. تَلَقَّفْ(ي) حكايات أمِّك الْمُجْتَرَّة كما تتلقف(ين) الأنباء السارَّة في حياتك. اعقد(ي) عزمك على أن تفرش(ي) عينيك لأمِّك بالمسك والورد والريحان. تَوِّجْ(ي) أمَّك سلطانة على عرش قلبك. امْدُدْ(ي) إليها أكثر من جسر للحوار والتواصل والمغازلة لِمَ لا. حَسِّسْ(ي) أمَّك بأنها تاج فوق رأسك. شاور(ي) أمَّك في كل صغيرة وكبيرة بقدر حرصك على رأي نصفك الآخر. احمل(ي) لها بين الفينة والأخرى هديةً بمناسبة أو دون مناسبة. رَكِّز(ي) على رمزية الهدية الملفوفة بعناية في عُلْبَةِ أحاسيسك الدافئة الْمُزَيَّنة بِشَرَائِط الشوق إليها (أمِّك) حتى لو كانت الهديةُ قُبْلَةً. عامل(ي) أمَّك كما تحب هي أن تُعَامَلَ. تَحَيَّن(ي) الفُرَصَ لتمزج دماءَ برِّك بها بدماء رضاها.
انتصرْ(ي) لانتظاراتها تنتصرْ هي (أمُّك) لتطلعاتك. اطربْ(ي) بقربها تُغْرِقْك في جَنَّة رضاها. اجعل(ي) حاضرك ملعقةَ سُكَّر تحركها هي ببطء في كأس حياتها لترتشفها هي بتلذُّذ ومتعةٍ ويقينٍ تجعلْ هي (أمّك) مستقبلَك شهدا يقطر منه العسلُ الذي تذوب(ين) أنت فيه.
لا تَزْهد(ي) في لحظات الوصال التي تتوق هي (أمُّك) إليها. صاحب(ي) أمَّك في كِبَرِها كما صاحَبَتْك هي في صِغَرِك. خَصِّصْ(ي) لها مرة واحدة في الأسبوع لمرافقتها في نزهة. تَأَبَّطْ(ي) ذراعَها بحُبّ واجعل(ي) مُنَى عينيك أمّك. افخرْ(ي) أمام الملإ بجمال أمِّك حتى لو كانت تتقدمك مُقْعَدَةً على كرسي متحرك، يكفيك فخرا أنها أَفْنَتْ ربيع عمرها في العناية بك إلى أن أصبحت ما أنت عليه الآن. لا تندمْ(ي) على كل دقيقة يتم إنفاقها في إرضائها. دَعْ(ي) أمَّك تتنفس الحياةَ بعينيك وقلبك وترى هي في جولاتكما مباهجَ الحياةِ والزمنِ والمكانِ. اَشْعِرْ(ي) أمَّك أنك تفعل(ين) كل ذلك لأنها حبيبتك وليس لأنك تُؤَدِّي واجبا فقط.
مَهِّدْ(ي) لأمِّك السُّبُلَ لإنارة ما تبَقَّى من طريقها تُمْطِرْك دعوات تكفي لإنارة حاضرك ومستقبلك أنت وذريتك. افرشْ(ي) دنياها محبة وطاعة تفرشْ هي لك الدنيا سعدا وأملا وهناء وبركة وسترا ورضى.. اِرْحَمْ(ي) أمَّك في الأرض يرحمْك مَنْ في السماء.
بقلم : سعاد درير
copy short url   نسخ
16/06/2016
1893