+ A
A -
في كثيرٍ مِن الأحيان، يَحارُ الإنسان: أَيُنْصِتُ هو إلى صوت العقل الصارم صرامةَ عقارب الساعة في الزمن المستحيل، أم يَمْتَثِلُ هو لحلاوة لسان القلب الذي يَرقص له رقصةَ الحُرِّية (الحورِية) ويُزَيِّن له الهدفَ الذي يَطير إليه على أجنحة الشوق؟!
بين دِين العقل وعقيدة القلب، يَجِدُ الإنسان نفسَه في موقف صعب: إنه موقفٌ تَعجيزي يَسقط عند بابِه ستارُ الحكمة، فلا يَعرف هو الإنسان مِن ثمَّة: إلى مَن يَضُمُّ هو صَوتَه؟! ولِمَنْ منهما يَكون وَلاؤُه؟!
ما يَحكيه القلب بلغة الحُبّ، ويُوَقِّع عليه اللِّسان بريشة الحنان، ليس هو ما يَحكم به العقل، فمطرقة العقل تَقول كلمتَها بانفعال وتَفرض حُكمها بما يُمليه عليكَ مِن خوف وإجلال، ولا تَدري، لا تَدري أنتَ المسكين لأيٍّ تَميل..
غير أن ما لا يَختلف فيه اثنان، هو أنكَ أنتَ الْمُعَذَّب يا إنسان، وسِرّ عذابك أنه لم يَحدث، لم يَحدث أن صَفَّقَ قلبُكَ وعقلُكَ لشيء واحد، لم يَحدث أن اتَّفَقا على شيء وهما اللذان ليس مِن عادتهما أن نَجِدَهُما يَتَّفِقان..
خُيوط قلبِكَ الرقيق تَنسج لكَ قميصَ العاطفة في لحظاتِ صدقٍ لا تَشوبها مشاعر زائفة، فإذا بكل ذرَّة فيكَ، أو خَلِية، تَراها تُخلص النية، لتفتح أبواب الحُبّ وتُصْغِي إلى لحن الحياة كما تُطْرِبُ على أوتاره طيور الحنين الْمُغَرِّدَة فوق شجرة القلب..
أما مسطرة قانون العقل، فلا تَتْرُكُ لكَ هِيَ مجالا لِمُجاراة فَراش العاطِفة وأنتَ تَتَقَلَّص تحتَ فِراش العاصفة، إنها عاصفة الأَوامِر التي لا تَجِدُ أنتَ أَمامَها إلا أنْ تَرضخ وتَنْصاع حتى تَسلمَ مِن متاهة الضَّياع..
وأنتَ بينهُما (عقلك وقلبك) تَجِدُكَ تتمدَّدُ تَمَدُّدَ بيضةٍ في مِقلاةٍ، أو تَنكمش انكماشَ حَصاةٍ، أو تَصرخ صرخةَ غريقٍ فاتَه قطارُ الأنفاس، أو تَستسلم لِطاحونةِ قَدَرِكَ استسلامَ حَبَّةِ بُنٍّ مُحَمَّصَة لا يُخْطِئُها ذَوقُ النُّخبة من الناس..
فَلْتُسمِّ القلبَ لَيْلَكَ، ولْتُسَمِّ العقلَ فانوسَكَ السِّحْرِي الْمُضيء.. وبين الظلمة والضوء مُدَّ أنتَ جِسرَ الحِكمة ذاكَ الذي يَسمح بِشَدْوِ بَلابِل الروح الغِرِّيدَة، ويَأْذن بالعبور لرِياحِ هَزَّاتِ خَصْرِ أوتار كَرَوَانات العاطفة العنيدة..
فَصِّلْ يَا صديقي جُبَّةَ القلب على مَقاس العقل، ورَتِّبْ حُجرات العقل بذوقِ القلب، وبَيْنَهُما بِالتَّراضي كُنْ أنتَ المايسترو الذي يَعْزِفُ لحنَ الحياة ويُسَيِّرُ جَوْقَ الأيام، أيامكَ، بِوصلاتها الموسيقية، الكئيبة منها والحزينة هِيَ، وتلكَ الحالِمة الغارِقة في الرومانسية..
نافِذَةُ الرُّوح:
- «خانَكَ العِطْرُ يا وَردَه».
- «خانَكَ الْمَطرُ يا غَيمَه».
- «خانَكَ الهديلُ يا حَمامَه».
- «خانَكِ الصَّفاءُ يا سَمَاءَه».
- «خانَتْكِ النُّعومةُ يا لَمساتِه».
- «خانَتْكَ الرِّقَّةُ يا صَوْتَه».
- «خانَتْكَ حَرارةُ الأَنفاس يا لِقاءَه».
بقلم: سعاد درير
copy short url   نسخ
28/03/2019
7431