+ A
A -
محسن النويشيكاتب تونسي

لا تزال المقاومة الفلسطينية الطوفانية تخوض صراعها المرير ضد الكيان الصهيوني الغاصب وداعميه من القوى الدولية وتوابعها الإقليمية من أجل تحرير بيت المقدس وأكنافه.

وقد أثبتت الأحداث أن المعركة في فلسطين ذات عمق حضاري وليست معركة وطنية من أجل التحرير فقط، لاعتبارات كثيرة أهمها أن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين هو آخر استعمار مباشر في العصر الحديث مع اختلافه عن أمثاله في السردية التي انبنى عليها والتي احتوت مزيجا تاريخيا ودينيا وسياسيا هجينا تؤكد الوقائع الثابتة والعقائد الدينية الراسخة والحقائق الجغرافية القائمة مدى هشاشته وعدم قدرته على ضمان استمرارية الكيان.

ورغم ما تحدثه الحرب المجنونة التي يشنها الكيان الصهيوني على الفلسطينيين العزل من أبناء غزة أساسا والضفة والقدس دون سقف ولا رادع قانوني دولي أو إنساني أو ديني أو عقلاني ثأراً لكرامته العسكرية والسياسية المهدورة، فقد أثبتت الأحداث طيلة سبعة أشهر مدى استعداد المقاومة وحنكة قيادتها وقدرتها على التقدير والتدبير والتخطيط والبرمجة ومراكمة التجربة والخبرات العسكرية والسياسية الحاصلة خلال مسيرة الكفاح الطويلة للشعب الفلسطيني بكل مكوناته ونجاحها في بناء الإنسان القادر على تحمل أعباء القضية وبناء وحدة المقاومة وحاضنتها الاجتماعية الصابرة والمرابطة والحامية لها.

لقد مثلت معركة طوفان الأقصى نقطة تحول حضاري.. وحصل التحول بعد سلسلة من الانكسارات والتراجعات للكيان الصهيوني في العقدين الأخيرين منذ الانسحاب من جنوب لبنان الذي كان بداية العد التنازلي للعلو الإسرائلي الثاني بعد أن بلغ أوجه باجتياح لبنان سنة 1982 واستبعاد المقاومة الفلسطينية منها.

وفي الخلاصة فإن العناصر الدالة على بداية التحول الحضاري للأمة يمكن إيجازها فيما يلي:

1 ـ تهرم الكيان الصهيوني بسبب التفكك المجتمعي الناتج عن الترف والبذخ واستشراء الفساد والإفساد ومظاهر الهجرة العكسية. وبسبب ضعف القيادة من حيث الكاريزما والقدوة والقدرة على التقدير والتدبير مقارنة بأجيال تأسيس الكيان ثم بسبب اهتزاز الروح المعنوية للجيش وعجزه في أكثر من مناسبة عن تحقيق أهدافه العسكرية إضافة إلى ارتخاء قبضة القوى الدولية الحاضنة له وتراجعها في أكثر من موقع مع تحول مهم وملحوظ للرأي العام الشعبي خاصة الشبابي منه في البلدان الغربية لصالح عدالة القضية الفلسطينية.

2 ـ صمود غزة شعبا ومقاومة بعد مرور أربعين سنة عن اجتياح بيروت بالاعتماد على ثوار جيل الثبات بعد انقراض ثوار جيل الشتات والتيه الفكري والسياسي رغم شراسة العدوان مع القدرة المتواصلة على إيلام العدو والتمسك بحق الشعب الفلسطيني في المفاوضات وبمطالبه المشروعة وبوحدة القضية الفلسطينية في غزة والضفة والقدس دون مساومات أو تنازلات. والمضيء في هذه المرحلة المتقدمة من الصراع هو الدعم الذي تجده المقاومة من حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والمقاومة العراقية.{ عربي 21

copy short url   نسخ
10/05/2024
0