+ A
A -

لا يوجد ما هو أهم من أفكارنا، فهي التي تشكل واقعنا، وبناء على جودتها تتحدد جودة الحياة التي نعيشها. إن التفكير مرتبط بكل شيء حولنا، وتشير الأبحاث إلى أننا نفكر في المتوسط ما بين 6 آلاف و8 آلاف فكرة بشكل يومي.

إن الحوار الداخلي الذي نجريه في عقولنا مسؤول بشكل مباشر عن مصيرنا، فكيفية تفكيرك يمكن أن تكون سبباً في نجاحك أو إخفاقك؛ ولهذا فإن التحكم بالعقل ضرورة لا غنى عنها لكل شخص يريد أن يحيا بسعادة وهناء، ويحقق الأحلام التي يصبو إليها.

لكن ما يحدث في واقع الأمر، هو أن معظمنا يعانون من التفكير المفرط، والذي يتزايد بشكل مستمر بسبب متطلبات العصر الجديد الذي فرض على الإنسان مهام ومسؤوليات كثيرة، مما أدى إلى وقوع معظم الناس في دائرة القلق والتوتر الشديدين.

وربما أنت بطبعك من الأشخاص الذين يعانون من التحليل المبالغ فيه للأمور، حيث تدمن التفاصيل وتسأل نفسك في كل حادثة أو موقف ألف سؤال وسؤال، إلى أن تشعر وكأن عقلك قد استنزف تماماً. تصحو كل يوم مثقلاً بالهواجس والهموم، لتقضي معظم يومك في التفكير بدقائق الأمور، فلا تدع أمراً إلا وتفنده من كل الجوانب، وتصنع كما يقول المثل «من الحبة قبة»، ليأتي آخر النهار وأنت تشعر بالكآبة والتعب الشديد.

إن كل شيء تفعله في هذه الحياة يزيد ويتوسع طالما أنك تعيد تكراره، فإذا فكرت بطريقة إيجابية معظم الوقت فستصبح لديك عادة التفكير الإيجابي بشكل تلقائي، والعكس صحيح؛ بمعنى أنك إذا أدمت تحليل الأمور بشكل شبه مرضي وأغرقت نفسك في القلق والتفكير المفرط فإن ما يحدث هو أنك ستحس بمزيد من الكآبة والسوداوية، وستشعر وكأن هناك من يجرك جرّاً ويدفعك رغماً عنك لمزيد من التفكير بتلك الطريقة.

إن ما يحدث حقيقة هو أننا ندمن أي شيء نكرره بصورة يومية، إلى أن يترسخ ويصبح جزءاً من منظومة حياتنا، ليصبح بعدها من العسير التغلب عليه. فالتفكير المتواصل المتعب مثله مثل إدمان التدخين أو الحلويات، كلما فكرت أكثر بذاك الأسلوب التحليلي المفرط كلما دفعك ذلك إلى مزيد منه، وهكذا تستمر في حلقة مفرغة لا خلاص منها.

أما نقطة التحول التي يمكن أن تقلب الطاولة وتغير المعادلة تكمن في أن تبدأ في إدراك خطورة تفكيرك بهذا الشكل، وتشرع بالتدريج بقطع حبل أفكارك المتشائمة من خلال استبدالها بأفكار إيجابية أو إلهاء نفسك بأي عمل مفيد يبعدك عن الانغماس فيها.

ومع مرور الوقت ومحاولة التغيير التدريجي وليس الفجائي، يبدأ عقلك بتقبل الأفكار الجديدة، وتزيد قدرتك على كبح جماح أي فكرة سلبية، لتصبح قادراً على التحكم بعقلك شيئاً فشيئاً.

وعليك أيضاً أن تعلم بأن التفكير المفرط ينتج عن شعورك بعدم الإشباع الذاتي في حياتك الشخصية، حيث يبرز هذا النمط من التفكير في حياة من لم يحققوا ذاتهم ويعانون أوضاعاً معيشية صعبة ولا يشعرون بأنهم يضيفون شيئاً مفيداً لأنفسهم وللمجتمع.

ولهذا، فإن الشروع في محاولة تغيير منهجية التفكير يجب أن يسير جنباً إلى جنباً مع العمل على تغيير نمط حياتك بأكملها، بحيث تغدو أكثر إنتاجية وتراعي تحقيق التوازن ما بين الفكر والروح والجسد.

ولا يكفي أن تحاول قمع أفكارك بقوة الإرادة، بل يجب أن تعمد إلى إدخال بعض النشاطات المسلية إلى حياتك، وممارسة الهوايات الممتعة، ومشاركة المقربين منك لبعض همومك وهواجسك، والاطلاع على مصادر المعلومات القيمة التي يمكن أن تلهمك طرقاً جديدة للتعامل مع مشكلتك، ككتب التنمية الذاتية ذات القيمة العالية. إذن، فتغيير طريقة التفكير يتطلب تغييراً شاملاً يطال كل جوانب حياتك، فابدأ الآن بالتخطيط لبداية جديدة، وضع حدّاً نهائيّاً للتفكير المفرط.

copy short url   نسخ
08/05/2024
25