+ A
A -
محمد حربي كاتب وصحفي مصري

عند الشدائدِ تُمْتّحنُ الصداقةُ. فعندما وقعت عملية «طوفان الأقصى» في السابع من شهر أكتوبر (عام 2023 م.). وعمدت «البروباغندا» الصهيونية إلى تزييف الحقيقة. وماجت القوى الإمبريالية الغربية، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية، غضباً. وكأنهم قد أغلقوا عقولهم، واقتنعوا من دون تفكير، بالسردية الإسرائيلية أحادية الجانب المزيفة؛ التي تبناها، وروج لها الإعلام الغربي. وبدأ الأصدقاءُ، قبل الحلفاءُ، يصطفون سياسياً، وإعلامياً خلف إسرائيل؛ بل وتسليحها دون قيد أو شرط، وهم يتبارون في شجب، واستنكار، وإدانة، ما قامت به المقاومة الفلسطينية – وكأن النضال ضد الاحتلال أصبح جريمة في زماننا هذا !

وعلى الشاطئ الآخر؛ فقد سبحت دولة جنوب إفريقيا عكس كل هذا التيار؛ حتى بدأت مثل فص الماس في جبلٍ من الزجاج، عندما نطقت وحدها باسم المقاومة، وأعلنت في ثباتٍ وشجاعة، عن دعمها للفلسطينيين، ومن دون أن تتحسب لأي مصالح مشتركة مع أميركا، أو غضب من واشنطن، أو رد فعل من اللوبي الصهيوني العالمي. وقد ترجمت «بريتوريا» موقفها الداعم والمناصر للحق الفلسطيني، بمحاكمة تاريخية - ولأول مرة - للكيان الإسرائيلي المحتل، أمام محكمة العدل الدولية.

وبعيداً عن الاصطفاف ضمن صفوف الحياد، أو الإدانة المُبطنة للاحتلال، وجاءت مواقف دولة جنوب إفريقيا واضحة، وشفافة، لا تشوبها أي شوائب، في إلقاء اللوم على الاحتلال الصهيوني، وأن ما وقع يوم 7 أكتوبر هو نتاج لسلسلة انتهاكاته المتواصلة في الأراضي المحتلة. وبعد 10 أيام من وقوع معركة «طوفان الأقصى»، سارع وزير الخارجية الجنوب إفريقي، بإجراء اتصال مع إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، بشأن استعداد «بريتوريا» لتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين. وقد أكتمل بورتريه شجاعة دولة جنوب إفريقيا؛ عندما ظهر رئيسها سيريل رامافوزا، عبر الفضائيات، وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية، وفي يده العلمُ الفلسطيني، لينسجم بذلك مع موسيقى الصوت الإفريقي الموحد؛ والذي مازال حتى الآن، يعتبر أن إسرائيل، هي صورة من رواسب الاستعمار الغربي في الماضي.

وعلى الرغم من وجود تمثيل دبلوماسي لنحو 30 دولة إفريقية، ما بين سفارة وقنصلية في «تل أبيب»، في مقابل 12 سفارة إسرائيلية في عدد من عواصم القارة الإفريقية؛ إلا أن ذلك لم يترجم يوماً إلى رسائل دعم، تعزف على هوى الاحتلال الصهيوني. وفيما يبدو أن الموقف الرسمي الإفريقي، قد أخذ بعين الاعتبار المسؤولية الأخلاقية، بشأن المساعدات الإنسانية للفلسطينيين؛ حتى وإن لم يكن ذلك يعني انحيازاً مباشراً للمقاومة الفلسطينية.

وأما «بريتوريا»، الواضحة والصريحة في الإدانة لإسرائيل، فإن موقفها ينبع من التشابه الكبير بين ظروف نضالها، الذي استمر نحو ستة عقود ضد نظام الفصل العنصري، مع ظروف الفلسطينيين في الكفاح ضد آخر كيان استعماري في العصر الحديث.

وإذا كانت المسافات الجغرافية؛ قد باعدت بين دولة جنوب إفريقيا، ودولة فلسطين؛ إلا أنه يربط بين المقاومة عند الجانبين، رباطاً وجدانياً متشابهاً، ويجمعها قاسم مشترك واحد، وهو «النكبة». فهذا الكابوس؛ الذي استيقظ عليه الفلسطينيون، بتدبير ومؤامرة من القوى الإمبريالية الغربية، والحركة الصهيونية، من أجل زراعة الكيان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة (عام 1948م.)؛ وكان هو نفس العام، الذي وجد فيه الشعب الجنوب إفريقي نفسه، منكوباً بنظاماً كولونيالياً استيطانياً إحلالياً، هيمن فيه الأبيض الغربي على الأرض، وأدعي، زوراً وبهتاناً، بأنها بلا شعب – نفس السردية الكاذبة للصهيوني عن فلسطين–.

وقد رسّخ الزعيم الجنوب إفريقي- نلسون مانديلا، بمقولته الخالدة: «نحن نعلم جيدا أن حريتنا غير مكتملة بدون حرية الفلسطينيين»، وهذا يبرز الترابط بين قضية التحرر الوطني لبلاده وشعبه، وبين القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في نيل استقلاله، وإقامته دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.

ولعل مواقف «بريتوريا»، الداعم والمساند للمقاومة الفلسطينية، لم يقتصر على صعيد تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثة فحسب؛ بل ذهب إلى اتخاذ جنوب إفريقيا لإجراء قانوني أمام محكمة العدل الدولية؛ والذي شجع كثيراً من الدول على إعلان انضمامها للدعوى القضائية في محاكمة الكيان الإسرائيلي، كما تفتحت الأذهان نحو أهمية تكتل ما يعرف بـ «الجنوب العالمي»، للدفاع عن المصالح المشتركة، وتحقيق التوازن، مع تغير قواعد اللعبة في النظام العالمي؛ الذي ظلت تهيمن عليه القوى الإمبريالية الغربية، وإن كان ذلك يجرى بأدوات أخرى، غير التي كانت تستخدمها بالتواجد العسكري المباشر في الماضي.

وبعد أن أثبتت المواقف أهمية دور دولة جنوب إفريقيا، سواء كان ذلك على صعيد الفضاء الإفريقي، أو الدولي، وعزز ذلك أهمية موقعيها الجيوسياسي، والجيواستراتيجي، وتأثيرها السياسي والدبلوماسي الخارجي، أمام المحافل الدولية. وفضلاً عن ذلك، ما تتمتع به من قدرات اقتصادية وإمكانات تكنولوجية، مع وجودها ضمن منظومة «بريكس»، مما يؤهلها للاضطلاع بأدوار بالغة الأهمية إفريقياً وعالمياً. أليس كل ذلك بكافٍ، من أجل دعوة «بريتوريا» إلى حضور القمة العربية في دورتها 33، التي سوف تعقد في «المنامة» بالبحرين، يوم 16 من مايو الجاري؛ وتكريم جنوب إفريقيا، ومنحها صفة «عضو مراقب» بالجامعة العربية ؟[email protected]

copy short url   نسخ
06/05/2024
40