+ A
A -

نحن على موعد مع حدث دولي ثقافي علمي اقتصادي سياحي ألا وهو معرض الدوحة الدولي للكتاب في دورته الثالثة والثلاثين، حيث يقام في الفترة من التاسع إلى الثامن عشر من هذا الشهر، تحت الرعاية الكريمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه.

مجتمعنا بأسره أفرادا ومؤسسات معني بالمشاركة في نجاح المعرض ووهجه وألقه، بتكثيف الزيارات وتنظيم الرحلات، حتى نحافظ على تصنيف قطر كأفضل دولة في تنظيم الفعاليات، ولكي نحافظ على مكانة القراءة وأهميتها في حياتنا وتطوير ذواتنا، ونحافظ على قيمة الكتاب ذاكرة المعرفة ومعين الوعي الذي لا ينضب، فهو خير جليس، وأحب أنيس، سفير العقل وأمين النقل، عليه تُبنى الحضارات، وبه تُضاء المنارات، ولا عجب فقد ورد ذكره بمشتقاته في كتاب الله العزيز ثلاثمائة واثنتي عشرة مرة، فكان جدير بأن تنظم الدول له المعارض، وتأتي أهمية معارض الكتب ليس لكونها مهرجانات ثقافية ينتظرها الجمهور بشوق لشراء الكتب، والناشرون لبيعها فحسب، وإنما أيضا لكونها تحتفي بالفكر ورواده، وفرصة حقيقية لتلاقي الأفكار وتبادلها، والتواصل بين المثقفين، وعرض الجديد مما جادت به قرائح المؤلفين.

ومن أجل مواكبة مجتمعنا لتطور العصر فمن الأهمية بمكان توجيه الناشرين المشاركين في المعرض دائما للاهتمام بزيادة المعروض من أحدث الكتب التي تتناول العلوم التجريبية والتطبيقية والبرمجيات والرقمية والذكاء الاصطناعي، والأحدث في عالم الابتكار والإبداع، لأن في فترة من الفترات كانت المعارض تحفل أكثر ما تحفل بعرض كتب النظريات البحتة واللاهوتيات المحضة، مع أن ديننا الإسلامي يدعو إلى الابتكار والتأمل والاختراع، وثقافتنا العربية في عصور الازدهار قامت على هذا الفكر الإبداعي، ولا يختلف اثنان على أن من طموحاتنا التنموية في دولة قطر تعزيز التنمية البشرية والإبداع والابتكار والاختراع على الأصعدة الاقتصادية والصناعية والثقافية والتعليمية والسياحية والتجارية.

معرض هذا العام يثير عدة وقفات، أولها شعار المعرض كما أعلنته وزارة الثقافة الذي استوقفني كثيرا، فأطلت النظر والتأمل فيه، وأخذت أتدبر بعمق معانيه، إذ تم اختياره بعناية فائقة، اختصر أهداف استراتيجية التنمية 2030، وركائزها التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والبيئية، ونَصه يقول: «بالمعرفة تُبنى الحضارات»، وبناء الحضارات لا يتم إلا ببناء الإنسان أولا، وبناء الإنسان يكون في المقام الأول من خلال التزود بالمعرفة، ومواكبة الجديد، والانفتاح على عالم الإبداع والابتكار، وطبعا الكتب هي الأداة الأهم لتحصيل المعرفة، إذا ما أحسنّا القراءة، أما بقاؤها على الرفوف دون قراءة فهي مجرد كائنات خرساء، ولكي نجعلها ناطقة ومفيدة وفاعلة لابد لها من قارئ، ولا بد القارئ من الإلمام بفن القراءة، الذي يُكتَسب بالتدريب والمران، فكم من قارئ لم يخرج من كتاب قرأه إلا بعنوانه، أما القراءة بمعناها الصحيح، فهي حوار شيق بين القارئ والمؤلف، لبلوغ الحكمة والتوصل إلى القرار الصائب، والسير على الطريق الصحيح نحو أوج الحضارة وعظمتها، وكما يقول بيكون: اقرأ لا لتنقض وتدحض، ولا لتصدِّق وتسلِّم بلا جدل، ولا لتزوِّد نفسك بموضوعات تظهر بها على أقرانك في نقاش، بل اقرأ لتَزن الأمور بميزان عدل بغية الوصول إلى الحق.

وما يقال عن القراءة يقال عن أهمية حضور الفعاليات المصاحبة للمعرض، وبيان أن المستفيد الأول منها سواء كانت ندوات أو محاضرات أو أشعار أو حتى موسيقى وغناء ومسرحيات هو من يُنصت ويُحسن الإنصات، لا ابتغاء تكذيب المتحدث دائما، أو تصديقه دائمًا، بل ابتغاء إقامة حوار هادف بين الطرفين، ليصلا معا إلى رأي متفق عليه أو صواب يمكن الاطمئنان إليه.

أيضا مما يتوقف عنده المتتبع لمسيرة معرض الدوحة الدولي للكتاب منذ انطلاقته عام 1972 التطور الكبير من حيث المساحة وعدد الناشرين، فبحسب ما أعلنته الوزارة يشارك هذا العام أكثر من خمسمائة وخمسة عشر ناشرا، وهذه أعلى مشاركة في تاريخه، وترجع إلى المكانة المتميزة التي تحتلها قطر على الساحة الدولية، وهذه الزيادة من شأنها توسيع الدور الثقافي بعرض المزيد من أوعية الفكر، الاقتصادي برفع كفاءة النشاط التجاري لمستلزمات الطباعة وهي كثيرة وتسوق الزائرين في أسواق قطر، والسياحي بشغل أعداد إضافية من الغرف الفندقية وزيارة المواقع السياحية، فالحراك الذي يقدمه المعرض في هذه القطاعات ليس هينا، بل يعود مردوده بالنفع على الدولة، إذا تم استخدامه أو تطويعه لصالح التنمية، خاصة وأن المجال مفتوح لكل وزارة ومؤسسة وشركة للمشاركة لتسوق دورها وخدماتها وبضاعتها.

كما يحسب للوزارة واللجنة المنظمة الاهتمام بدول المنطقة كضيوف شرف، فضيف هذا العام سلطنة عمان الشقيقة بما لها من إرث حضاري ثري، وزيارة لجناح السلطنة ستكون زيارة للتاريخ السلطنة العريق، والتجول بين حصونها وقلاعها وأسوارها، والاطلاع على إنجازات الإنسان العماني المشهودة في مسيرة الحضارة، وهذا الاختيار يعزيز أواصر المودة والإخاء بين دول مجلس التعاون.

يكفي الكتاب أهمية أنه الذاكرة التي تحفظ ما مضي ليكون الأساس الذي نبني عليه للحاضر، والجسر الذي ينقلنا إلى المستقبل بمقتضياته المتطورة، وأقصد بالكتاب في المقام الأول الكتاب الورقي، وفي المقام التالي الأشكال الأخرى التي استحدثت بفعل التكنولوجيا كالكتاب الرقمي، وكذلك الكتاب الصوتي الذي بات مألوفًا اليوم، فكثير من المؤلف سجَّلوا كتبهم بأصواتهم أو بأصوات من يحسنون الإلقاء، وأنشئت مكتبات كاملة قوامُها تسجيلاتٌ صوتية، أو محملة على تطبيقات الهواتف الذكية، فحلَّت الأذن محل العين، ومع انتشارها سوف يتغير مفهوم الأمية، فلن يكون الأمي هو من لا يعرف القراءة والكتابة، بل هو من لا يعرف التقنيات وتكنولوجيا التطبيقات.

بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة التخطيط الاستراتيجي والتنمية البشرية وحوكمة المؤسسات

copy short url   نسخ
06/05/2024
50