+ A
A -
د. سعاد درير

في كل مرة أقولُ: «توقفي.. كُفِّي عن مسابقة قطار الوقت لإنقاذ ذيل آخَر»، لكنني أتراجَع بعد وقتٍ قصير لأؤكد لنفسي إصراري على الالتزام بالميثاق الذي تعاقدتُ فيه مع نفسي لإنصاف مَن لم يُنْصِفْهُم الوقت..
في كل مرة أُقْسِمُ بأن أغادِرَ هذه الضيعة، لكنني أجدني أَحِنُّ مجدداً إلى وجوههم السمراء التي تُخَبِّئُ مِن الغرام ما يُضْمِرُه الانتقام بحُبّ، وأراني أُقْنِعُ نفسي بأنني أتسلَّى وأنا أدرِّبُهم كالمايسترو على فنّ الحياة بطريقتي..
فُوجئتُ بهم يَطرقون بابي، يؤدون تحية النضال، ويُكَرِّمُونني بشيء من الحنطة والشعير، مع قُبْلَة هاربة مِن جُحر فَمٍ يصطاد صِغارَ حَمامِ الحُبّ بِلُؤمٍ..
يحار قلبي أحياناً، أَيُشْفِقُ عليهم أم يُعلن القطيعة ويَحمل حقيبةَ ذكرياته ويغادِر..؟! لكنه في كل مرة تَغلبه أمطار الشوق التي تُبَلِّلُ سُترته القطنية وتَنُّورَتَه القصيرة، فإذا بِنَهر القلب يَفيض على أشجاره الْمُقَوَّسة الظهر مِن فرط الشيخوخة، وإذا بسنابله الشَّقِيّة التي تستحم تحت شلال الشمس تَنسى أن ترتدي حَفَّاظاتها مِن فرط قفزها كهواتف هزَّازة لا يلجم لسانَ تمردها تَدَخُّلٌ عسكري لِيَدٍ عنيدة تُجيدُ البطش..
وَردُ يا وَردُ، كيف تسللتَ إلى قُبَّتِي السفلية وأنتَ تَعرف أنني لا أطيق جواربَكَ الحمراء تلك التي تساعدك على تحمُّل حذاء الرغبة في التهام المسافات لِتَصِلَ إلىَّ مقيَّداً كأسيرِ حَربٍ..؟!
صَدِّقْ، يا وردُ، أنني فعلتُ بكَ ما كنتُ أفعلُه بالأحذية الحمراء التي كانت تَزحف إلى أقدام مجموعة الدُّمَى تلك التي كنتُ أُرَبِّيها على الأناقة والذوق، فأوَّل شيء كنتُ أدفنُه كانَ كل ما يمتّ بصلة إلى الحمرة التي أَعْلَنْتُ عليها الحرب..
الغريب، يا وردُ، أنكَ تَأَبَّطْتَ ذراعَ كعكة الشوكولا التي حوَّلَت الحصير إلى صحنٍ كبير أوشكَ أن يستحم فيه هؤلاء الزاحفون إلى عالمي الأسود.. !
أما قارورات الـ«كوكا»، فقد تصبَّبَتْ بغزارة مداعِبَةً قبعاتِهم التي تنتصب واقفة كمُسَدَّس في وجهِ ضربات الشمس على امتداد حُقول المطالَبة بالحرية لأفكارهم الليبرالية خَشْيَةَ أن تُقَلَّمَ بضربة مِسمار يَخترق جدارَ الذاكرة..
هؤلاء الأسخياء تحت خط القدرة، كم هو لذيذ جنونهم الخَلاَّق!.. وكم هي مجنونة أحلامهم الكبيرة!.. لكنني أحببتُ إخلاصهم لِشِفاهٍ تُفَصِّلُ الصِّدق على مقاس أَضْلُعِهم، وبالْمِثل صَفَّقَتْ عينايَ بِحُبٍّ لوفائهم حدّ الإيمان لِنَشيد الأمل في أصابِع لا تَتَثاءَب مهما أَرْهَقَها الليل..
نافِذَةُ الرُّوح:
- «سنابل الحظ تَعِدُ بموسِم جافّ في مدينة القَمع البائسة».
- «خميرةُ السكوت لا تُعْطِي خبزا».
- «اُرْكُضْ، اُرْكُضْ يا غيمُ إلى شاطئ الحياة، وخُذْ قلبي معك».
- «قُلْ لَهُ يا ذَيْلَهُ أن يُداوي وجعَ الحنين بالموت سَوْطاً في مغارة الزمن».
- «فارغٌ بَوْحُكَ يا ثَغْرَ الحياة.. أما آنَ لكَ أن تَرحَمَنا مِن ثرثرة الأيام البليدة؟!».
- «وأنتَ يا كروانَ الحُبّ، مُوجِعٌ غِناؤُكَ.. حتى القمر المضيء أَقْسَمَ على الرحيل وتركَكَ مذبوحَ الصوت على شجرة التَّوَسُّل!».
- «مسكين يا سَعْتَر، نَثَرُوكَ خارج إطار طاولة الشهوة، ثم أَمَرُوا لُعَابَ فَمِ الرغبة بأَنْ يَتَمَدَّدَ».
copy short url   نسخ
14/03/2019
2222