+ A
A -
أن يُقْدِمَ الإنسان على البحث عن فرصة تَضرب له موعدا مع العمل، هذه هي القاعدة. أما الاستثناء، فهو أن يَقوم هذا العمل بزَرْع الأمل في أن يَكون بابا مفتوحا للإنسان في السراء والضراء..
ولأن الإسلام ثَمَّنَ العمل ومَجَّدَ العامل، فمِن واجب هذا العامل أن يُصَيِّرَ عملَه مُنْقِذاً له وساترا له في الآخِرة وفي الدنيا..
فأما السَّتر في الآخرة، فأن يُنْفِقَ العبد مِن حلال مالِه على اليتامى والمساكين والمحرومين، فهو بذلك يَتَهَيَّأُ للبناء للآخرة، وكُلّ قطعة نقدية يُنْفِقُها حُبّا في الله سيَفرش بها بإذن الله الطريق إلى الآخرة..
أما الستر في الدنيا، فأن يَدَّخِرَ العامل مِن كُلّ دَخل قَدْرَ ما يَكفي لشراءِ دواءٍ أو طلبِ تشخيصٍ طِبّي، فبهذه الطريقة يتقي الإنسان شرَّ الحاجة ويَحفظ يَدَه الكريمة فلا يمدّها مِن باب الاستجداء ليَتركها مُعَلَّقةً مَن لا يُرجَى منه أَمَل ولا تُفتح مِن قِبلتِه نافذةُ رحمةٍ..
نَعمل ونَشقى ونَتعب ونُصارع طواحين الزمن الْمُرّ ليس طَمَعاً دائما في رغيف الخُبز الحارّ، فهناك مَن هَوَّنَ الله عليه أمرَه ليُدِرَّ عليه بابُ رزقِه ما يَكفي قبيلةً، لكنَّ حُمَّى الطمع تَجعله يرَكض ويَلهث خَلْفَ دنيا ما دامَتْ للسَّلف حتى تَدوم للخَلَف، تراه يَحلب مِن بقرة الحَظّ ما لا يتيسر لِسِواه، لكنه لا يروي قربةَ عطشه ولا يُسْكِتُ صراخَ رغبته في المزيد..
جاحِدٌ كهذا بِنِعمة مولاه، كيف له أن تَرتاح نفسُه وتَحمد وتَشكر الله؟!
أوليس الله الرزاق مَن يُعطينا لِنُعطي مَن غاب عنه العطاء؟!
أوليس الله الوهاب مَن يَهَبُنا لِنَهَبَ مَن غابَتْ عنه هِبَةُ الناس؟!
هو سبحانه وتعالى القائل:«قُل اعْمَلُوا».. وهو الله عز وجل مَن قال: «إن مع العُسر يُسرا»..
اِعْمَلْ لِتَزورَكَ البَرَكَة ويُقيم الخير عندك، اِعْمَلْ واذْكُرْ حَقَّ مَن لا يَعمل إما لضعف وعجز وإما لباب مُوصَد أو لم يَحِن موعد فتحِه.. اِعملْ وتَصَدَّق على مَن رزقُه بِيَدك، اِعملْ وافتحْ بابَ الرزق لِمَن دَلَّه الله عليك لِيَكون الجسرَ الذي يَعبر بك إلى الجنة..
الأجمل مِن أن أَتَلَقَّفَ لقمةً لا تَحفظ لها مكانا في البطن (شئتُ أم أبيتُ) هو أن نتقاسمها معاً أنا وأنتَ لِنَتلذَّذ بحلاوتها أكثر فأكثر.. والأحلى مِن أن أتباهى بشِبْهِ كفنٍ مُلَوَّن يَستر عني عُرْيَك هو أن أُنْفِقَ ثَمَنَه على ما يَستركَ معي لينالَني من الدفء ما يَنالكَ..
ما عند الله خير مِن اللهو والتجارة، كما يقول النص، فلْنَتَذَكَّر السائل والعاجز.. رَعايا دُور الأيتام في حاجة إلى رغيف قد تَتركه لِيَجِفّ على الرصيف، أو جرعةِ حليبٍ قد تَسكبها عَمدا ولا تَبكي عليها.. رَعايا دُور الْمُسِنِّين في حاجة إلى حَفَّاظة قد تُنْفِقُ ثَمَنَها على سيجارةٍ تَحرق شفَتَيْكَ وتَكوي رِئَتَيْكَ..
لِنَزْرَعْ بُذورَ حُبّ الله عِند كل يُسرٍ حتى يُبَلِّلَنا مطرُ رحمة الله عند كُلّ عُسرٍ..
نافِذَةُ الرُّوح:
- «تتثاءب الورقة الشقية متظاهرةً بالنعاس هربا مِن سياسة القَلَم الذي لا يتوانى عن أن يَبطش بها بطشا».
- «الحُكم الجائر للريح العاتية يُعَلِّمُ الصفصاف الحزين لغةَ الاستسلام والانحناء والركوع عند قدمَيْ الْمَلِكَة».
- «أَمْهِليني شيئا من الوقت يا دفاتري حتى أُعيدَ ترتيبَ أنفاسي قبل أن أعيد ترتيب أوراق التاريخ».
- «المسمار المراوِغ يُقسم أن يَكتب تاريخه حَفْراً في الذاكرة الخشبية».
- «مِن أين لكَ يا شاطئ الروح بسُفُن النجاة وأنتَ تُبصر كل هذا الخراب الذي عجَّلَ به حُكم القلب الميِّت؟!».
- «سأسمي الحُبَّ المعلِّمَ الأول الذي ينجح في تلقين دروس فلسفة التاريخ دون حاجة إلى ساعات دعم وتقوية».
- «بين يوم الحُبّ وعَبيد الحُبّ عُبور تافِهٌ لأسطول الأيام الحالفة أن تَعود بزيّ جديد ومساحيق تجميل أخرى تَفضح أكثر مما تُضْمِرُ».
بقلم: سعاد درير
copy short url   نسخ
05/03/2019
2375