+ A
A -
جريدة الوطن

تخيل أنك في عالم يمكنك فيه الحصول على رعاية صحية مخصصة لك وحدك- رعاية تأخذ بعين الاعتبار خصائصك الجينية الفريدة وأسلوب حياتك الشخصي، مما يوفر لك بالتأكيد العلاج الأكثر فاعلية بأقل آثار جانبية محتملة.

هذا ما تعدنا به الصحة الدقيقة، وهو توجه جديد يتطور بوتيرة متسارعة، ويعد بإحداث تحوّل جذري في كيفية تقديم الرعاية الصحية على مستوى العالم.

بشكل عام، تصمم معظم العلاجات الطبية وبروتوكولات الرعاية الصحية المعمول بها حاليا في العالم بطريقة تناسب الناس في عمومهم، أي من دون التركيز على الاحتياجات الفردية لكل شخص على حدة. في المقابل، تتّبع الصحة الدقيقة نهجا أكثر تفردا وشخصانية: فيستند الأطباء إلى دراسة جينات المريض، وتتبع التاريخ الطبي لعائلته، والتعرّف على البيئة التي يعيش فيها، وأسلوب الحياة الذي يتبعه لفهم الحالة الطبية بشكل معمّق، وتوقع مدى استجابتها للعلاجات المتبعة.

برزت قطر كدولة رائدة في مجال الصحة الدقيقة في المنطقة منذ عقد من الزمن، وعينُها منذ البداية على تغيير الطريقة التي يتم بها إجراء الفحص السريري للحالات المعقدة، مثل السرطان ومرض السكري والتوحد، وذلك عن طريق فحص المتغيّرات الخاصة بسكان قطر والشرق الأوسط.

ولعل خير مثال على ذلك يكمن في دراسة تم إجراؤها حول الطفرة الجينية BRCA التي شملت 22 شخصا ظهرت لديهم طفرات جينية ساهمت في زيادة قابليتهم للتعرض لسرطان الثدي والمبيض. هذه الدراسة أسهمت بشكل وازن في جهود الكشف المبكر على هذا النوع من السرطانات. وقد تم إثر ذلك إحالة هؤلاء المرضى إلى المركز الوطني لبحوث وعلاج السرطان من أجل توفير الرعاية الضرورية لهم.

بالإضافة إلى ذلك، جرى إطلاق مبادرة وطنية جديدة لتطبيق علم الصيدلة الجيني - وهو مجال يستكشف كيف يُمكن للجينات التأثير على الاستجابة للأدوية - بهدف تعزيز سلامة الأدوية وفاعليتها. ويُتيح هذا المجال للممارسين السريريين إمكانية تصميم وتقديم علاجات من جرعات موجهة وراثيًا بناءً على الحمض النووي للمريض، وبالتالي تحسين نتائج العلاج بشكل كبير.

ويستفيد الأشخاص الذين يُعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية حاليًا من هذه المبادرة في مستشفى القلب بمؤسسة حمد الطبية. بيد أن تطوير مبادئ الصحة الدقيقة في قطر لا يخلو من التحديات، لا سيما تلك التي تتصل بحقيقة أن السكان العرب غير ممثلين بشكل كافٍ في الدراسات الجينومية. وفي هذا الصدد، يقول محمد الدوسري، مدير الاتصالات واستقطاب المشاركين في قطر بيوبنك: «لطالما كانت الشعوب العربية غير ممثلة بالشكل الكافي في البحوث الوراثية، جرّاء نقص البيانات المتاحة. والسبب في هذه الفجوة يعود إلى كون الدراسات الحالية ترتكز بشكل أساسي على جينات سكان الدول الغربية، مما يؤدي إلى الافتقار لفهم شامل للتنوعات الجينية بين السكان العرب».

وأضاف الدوسري أن «التشخيص الجيني القائم على البيانات السكانية الفعلية يُساعد في التوصل إلى نتائج أكثر دقة وفعالية، ما يؤدي إلى تطوير طرق الرعاية الصحية المعتمدة للسكان في قطر والخارج».

ولسد تلك الفجوة، جمع قطر بيوبنك عينات بيولوجية من نحو 40 ألف مشارك، من ضمنهم نحو 30500 مواطن قطري، حيث خضعت هذه العينات إلى دراسة تسلسلها في مشروع قطر جينوم. وقد وفّرت هذه البيانات نظرة شاملة بشأن الملف الجيني والبيئي والصحي للمشاركين، وساعدت على تطوير حلول الرعاية الصحية الدقيقة.

من هذا المنظور، تلتزم دولة قطر بالارتقاء بمبادرات الرعاية الصحية الوقائية والبرامج الصحية المتعلقة بالسكان من أجل تمكين الأفراد من اتخاذ قرارات مستنيرة حول صحتهم. ومن خلال التشديد على الكشف المبكر، وتغيير أنماط الحياة، يُمكن للصحة الدقيقة ليس فقط طمأنة الأفراد على وضعهم الصحي الحالي والمستقبلي، بل تمهيد الطريق من أجل مجتمع ينعم جميع أفراده بصحة أفضل.

copy short url   نسخ
29/04/2024
5